آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

السعوديون و«آلة الزمن»

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

السعوديون يتحدثون كثيراً هذه الأيام عن المستقبل. هذا مؤشر رائع! فقد أدمنّا الحديث عن الماضي، حتى لقد تشكّلت فلسفتنا ورؤيتنا للحياة على نحو «ماضوي»، تراثي، تاريخي.

حين يكون المستقبل أكبر همّنا فنحن نسير بالاتجاه الصحيح، لأننا نعّمر بيتاً سننتقل إليه حتماً، وسيسكنه أولادنا. أما أن نشدّ أنفسنا للماضي، ونعيش في كهوفه، ونتوارث إشكالاته وتصورات أفراده، فنحن لا نفعل شيئاً سوى أن نحكم على أنفسنا بالجمود. الماضي لا يمكنه أن يحلّ مشاكلنا، ولكن يمكنه أن يضيف إلى مشاكلنا تعقيدات جديدة.

لقد أصبح الماضي عبئاً ثقيلاً على حاضرنا ومستقبلنا، أصبحنا ضيوفاً دائمين على موائد التاريخ، ولم يعد يمكننا أن نرى العالم أو نتعامل مع الحياة إلا من خلال ظلال التاريخ وقوالبه وأحكامه. لم نعد نتحمّل كل هذا التاريخ أن يسير أمامنا، مكانه الطبيعي خلفنا، المستقبل هو من يجب أن يقودنا.

هل نحنُ بحاجة إلى الخيال العلمي لكي نرى صورة المستقبل الذي نحثّ الخطى نحوه؟ قبل 120 عاماً صدرت رواية «آلة الزمن» كواحدة من أقدم وأبدع تجارب الخيال العلمي، كتبها البريطاني هربرت جورج ويلز، وعرضت قبل سنوات في فيلم أميركي حمل الاسم نفسه. أول ما يشدّ انتباه الإنسان المسكون بالماضي، هي الجرأة الهائلة التي يتمتع بها المؤلف. فحين أراد أن يتخطى الزمن ركب آلته نحو مستقبل عميق جداً لا يتحمله خيالنا المسكون دوماً بقرب نهاية الزمان، وقيام الساعة، وكأن علمها عندنا وليس عند الله.

لقد سافر المؤلف أكثر من 800 ألف سنة نحو المستقبل. هناك عثر على أجناس بشرية تشّكلت بفعل نظريات الثقافة والاجتماع، أمكنه أن يتخيل أن الهوة الواسعة بين الأغنياء والفقراء أفرزت عبر الزمان أجناساً بشرية مختلفة، بعضها أفسدته النعمة، والآخر شوهته الفاقة.

هذا الرجل أراد أن يحل لغزاً في العنصرية فسافر نحو المستقبل، ولدينا ألف رحالة يحثون الخطى كل يوم نحو الماضي لكي يستوردوا لنا من كهوفه معالجات لزماننا. فلم يفلحوا سوى أنهم أفسدوا رؤيتنا وفهمنا للمشكلة ذاتها.

حسناً، اليوم لدينا نقاش يتسع حول المستقبل، محفوفٌ بكثير من التفاؤل، والطموح، والرغبة في مغادرة الماضي الذي شلّ حركتنا، وعزلنا عن العالم، وقيدنا بكثير من الأغلال التي يجري تفكيكها اليوم لكي تتحرر إرادتنا نحو المستقبل. المصالحة مع المرأة، والمصالحة مع الفن، جزء يسير ومهم مما نحتاجه.

سنظل بحاجة إلى تعزيز الثقة، وتوسيع قاعدة المشاركة، ودعم الاتجاه نحو الشفافية، والنزاهة، والجدارة، والمساواة بين الناس، وإعلاء دور القانون، وتعزيز الهوية الوطنية التي تشكل ضامناً لقوة المجتمع وتماسكه. وسنظل بحاجة للحوار البناء الحرّ القائم على النقد، لكي نبصر الطريق بوضوح ونصلح من أنفسنا.

عندما أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مشروع «نيوم»، أعلن بوضوح: «لن نضيع ثلاثين سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم وفوراً، لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونساهم في تنمية وطننا والعالم».

السعوديون يمتلكون اليوم حماساً لا نظير له لركوب القطار نحو المستقبل.