آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

هل تعثر المشاريع أصبح شيئاً من الماضي؟

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الإلكترونية

ما الذي حدث؟ لم نستطع مسايرة متطلبات التنمية الهائلة، ومن مبادرات ومشاريع ومخصصات متعاظمة للميزانية العامة للدولة ولاسيما بنود المشاريع، وتحديداً التنموية خلال السنوات المنصرمة. إذ يبدو أن التعثر والتأخر قد ولدا قبل العام 2000 بسنوات؛ فالخطط الخمسية المنصرمة لم تنجز مشاريعها في وقتها، وهذا أمر - نتيجة لاستمراره - لابد أن يؤدي لإلحاق العطب بمشروعنا الوطني التنموي، كما وصفته وفصلته وثائق الخطط الخمسية المتتابعة، خذ مثلاً قضية التنمية المتوازنة التي نادت بها صراحة الخطة الخمسية التاسعة، فإن لم تنجز المشاريع في وقتها فكيف ومتى يتحقق هذا التوازن المنشود؟!

والآن، زادت الحاجة لبناء سعة لإدارة المشاريع لدى الجهاز الحكومي، وخصوصاً بعد إعلان ”الرؤية السعودية 2030“، وبرنامج التحول الوطني 2020. وبطبيعة الحال، لا يمكن تجاوز أنه تم تأسيس مكتب لإدارة المشاريع ضمن منظومة مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، وله دور أساسي عليه نترقب جميعاً أن يؤديه.

وهكذا، فيبدو أن هناك ما يبرر القول إن تصاعد وتيرة متطلبات التنموية دون أن يقابله المعروض، مما يعني أننا - لسببٍ أو لآخر - لم نتمكن من الارتقاء للمناسبة، فحدث التأخير والتعثر في المشاريع التنموية، رغم أن الأموال متاحة، والاحتياجات كانت تتعاظم!

وباعتبار أن التأخير والتعثر استمرا لسنوات، فثمة ما يدفع للقول: هل سنتمكن من علاج تراكمات الماضي من مئات المشاريع المتعثرة والمتأخرة؟ وفي نفس الوقت الانطلاق بمئات المبادرات «وهي عبارة عن مشاريع عند تدقيق النظر» تطلقها الجهات الحكومية ضمن برنامج التحول الوطني، حيث يبدو أننا تحولنا من صيغة المشروع كمقاولة للحكومة ينفذها القطاع الخاص إلى المشروع كشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص؟

ولعلنا نتفق جميعاً أن إدارة برنامج تحول طموح، يرتكز إلى رؤية طويلة المدى، عليه أن يسابق الزمن، مما يدفع للقول إنه لن ينجز إلابتوفر: مهارات وخبرات إدارية وفنية في التنمية الاجتماعية - الاقتصادية، وفي إدارة وإسناد وتنفيذ المشاريع في وقتها، وفي التواصل مع الجهات الأخرى ذات الصلة، سواء الحكومية أو في القطاع الخاص أو الجمهور. وما برنامج التحول إلا برنامج واحد من عدة برامج.

وكما ندرك جميعاً، في المملكة رجالات من المواطنين ممن لديهم العلم والخبرة والتجربة ثرية ونادرة في إدارة المشاريع المعقدة، بعضهم بلغ سن التقاعد فترك المشاريع وأخذ يقضي وقته من ديوانية لأخرى أو يقطع أيامه في الأسفار أو أُفتح له منشأة مقاولات صغيرة أو حتى محل بيع تجزئة! وفي حين أن الوزارات تفتتح الواحدة تلو الأخرى مكاتب لإدارة المشاريع جُلّ من فيها تجربتهم في إدارة المشاريع محدودة مقارنة بالعمالقة الذين أتحدث عنهم. وأزعم أننا مازلنا بعيدين عن الاستفادة من أمثال هؤلاء، دون وجود مبرر واضح.

كيف نفرط برأس مالنا البشري ونحن في أمس الحاجة لمن يدير ويساعد في تنفيذ مشاريعنا التنموية وبرنامج التحول الضخم ومبادراته وتطلعات الرؤية السعودية 2030، وفك انسداداتها والحرص على تنفيذها؟ لما لا نستدعي الخبراء المتقاعدين من أصحاب التجربة الثرية في إدارة المشاريع كما يستدعى الاحتياط للمعسكر؟!

وهكذا، فحتى نمتلك السِعة لتجاوز تعثرات الماضي في مشاريعنا ومبادراتنا ورؤيتنا، فليس من بدّ من البحث عن الخبراء السعوديين في إدارة المشاريع تحت كل حجر واستقطابهم وتحفيزهم، ليتمكنوا من القيام بمهمتهم فلابد من تمكينهم من خلال إعادة النظر بالمنظومة التشريعية والتنظيمية التي ما برحت تشكل الإطار الحاكم.

وإعادة النظر لا تتطلب إعادة اختراع علم إدارة المشاريع من حيث التنفيذ والضبط والحوكمة، إذ يكفي أن نتبع أفضل الممارسات في العالم، وبذلك نزيل العيب الهيكلي الذي أعاق وما برح يعيق تنفيذ مشاريعنا التنموية، فكيف إذا أضفنا لها مئات المبادرات الناتجة عن برنامج التحول الوطني، وبقية البرامج المحققة للرؤية السعودية 2030؟

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى