آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

التعليم ”الأفلاطوني“ لن يُمَكنّا من سوق العمل!

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الإلكترونية

هل نُعلّم لنوظف؟ وهل محل اهتمام لنا معرفة إن كانت الزيادة في الانفاق على التعليم تؤدي لزيادة النمو الاقتصادي؟

الانطباع العام هو، ثمة علاقة طردية بين تحسين أوضاع الفرد وبين مستوى تعليمه، وستجد في الأدبيات ما يؤيد ذلك عموماً، وستجد أن في العديد من البلدان أجربت دراسات مستفيضة لفهم العلاقة بين الانفاق على التعليم والنمو الاقتصادي، المؤدي إلى الازدهار الاقتصادي للبلاد وتحسن مستوى دخل الفرد الأفضل تعليماً.

حتى وقت قريب كان مِنّ مدراء جامعاتنا من يأنف أن يربط بين خريجيه والتوظيف في سوق العمل، قائلاً: نحن نُعَلّم، وليس مهمتنا التوظيف. اختلف الأكثر كثيراً الآن، ولكن ليس للحد الكافي؛ فأصبحت الجامعات تدرك أن الاختبار الحقيقي لها هي قدرة خريجيها الحصول على وظيفة، وأن أحد عناصر التنافس هو قدرة خريجيها للحصول على أفضل الوظائف مقارنة بخريجي الجامعات الأخرى. وبدأنا نشاهد جامعاتنا تعتني بتأسيس مكاتب للخريجين لمساعدة طلاب الجامعة في الحصول على فرص تدريبية في الصيف وللبرنامج التعاوني وعند التخرج.

لكن هل منظومة التعليم ما بعد الثانوي لدينا متمحورة حول تطوير الموارد البشرية تمهيداً للتوظيف في سوق العمل؟ ومستوعبة لمتطلبات سوق العمل؟ ومنغمسة في أن عليها المساهمة والتنسيق مع الجهات الأخرى «مثل وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية وسواهما ومع القطاع الخاص» لتحقيق هدفين مباشرين: توظيف خريجيها، ودعم النمو الاقتصادي للبلاد بتخريج ما تحتاجه سوق العمل.

​هذا إجمالاً، أما تحديداً فلم نربط - حتى هذه اللحظة - بين التنمية والتنويع والنمو الاقتصادي من جهة، وبين التعليم العام ربطاً قائماً على استيعاب متطلبات التنمية والتنويع والنمو الاقتصادي، ليس فقط من واقع أدبيات الأمم المتحدة، ولا من واقع أدبيات الاتحاد الأوربي، وليس بالاطلاع على بحوث منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ولا حتى بالتمعن بما فعلته كوريا الجنوبية أو فلندا أو ماليزيا، بل من خلال بحوث ميدانية على مجتمعنا السعودي. التنظير مهم، ووضع الأطر الفكرية لإنجاز البحوث كذلك مهم، ومهمٌ الاطلاع على تجارب الدول والمجموعات الاقتصادية الأخرى، لكن يبقى واقعنا هو واقعنا، فمن المعروف بداهةً أننا لن نستطيع ”نسخ“ ما يُعمل في فلندا و”لصقه“ عندنا. ولعل من المقبول الجدل أننا لا نعرف كثيراً عن حقيقة العلاقة بين الانفاق الحكومي على التعليم وتنميتنا الاجتماعية - الاقتصادية والتنوع والنمو في اقتصادنا الوطني.

​والمَطلب هنا ليس المعرفة بحد ذاتها من أجل اشباع الفضول، بل يتجسد المطلب في ثلاثة: المطلب الأول، لتتمكن الجهات المعنية من وضع سياسات مستندة إلى الواقع كما هو، وليس لانطباعات، ولا إلى استحسان ما طُبق هنا وهناك، ولا حتى لتفضيلات شخصية أو نخبوية. فيما يكمنالمَطلب الثاني في تصميم سياسات للربط: بين التعليم والتنمية الاجتماعية - الاقتصادية من جهة، وبين التعليم والتنويع الاقتصادي من جهة ثانية، وبين التعليم وحفز النمو الاقتصادي من جهة ثالثة. ويقوم المَطلب الثالث على وضع خطط تنفيذية لتحقيق أهداف تلك السياسات، فمن خلال ما يتطلبه التنفيذ من موارد سندرك كم ينبغي أن ننفق، بمعنى أن الانفاق الحكومي على التعليم سيقوم على تحقيق مستهدفات، باعتبار أن تنافسية نظامنا التعليمي من حيث جودة المخرجات وتنوعها هو الدعامة الأساس لمنافسة الأمم الأخرى، وهذا ما تسعى ”رؤية السعودية 2030“ لتحقيقه.

​ندرك جميعاً، أن النقاش هنا لا يجادل حول أهمية التعليم عموماً، لكنه يتناول نقطة محددة تهتم بالصلة بين التعليم وتحقيق أهدافنا الاقتصادية، انطلاقاً من أن هذه الأهداف الاقتصادية تعني استقرارنا وازدهارنا وتنافسيتنا، فهي أهداف محورية ارتكازية لحاضر ومستقبل بلادنا. وعلينا تذكر، أن ضعف السياسات الرابطة بين التعليم والاقتصاد، وتذبذب الانفاق على التعليم تبعاً للتذبذب في إيرادات الخزانة العامة، فضلاً عن تدني كفاءة الانفاق، عواملٌ أدت لتأخر منظومة التعليم عن مجاراة التنمية وتلبية احتياجات التنوع والنمو على مدى ربع قرن كماً ونوعاً، ويمكن القول إن سوق العمل واقتصادنا ككل يعيشا تبعات ذلك، وأبرز تلك التبعات معدل مرتفع للبطالة! مما يتطلب أن نعمل منهجياً وميدانياً دفاعاً عن تحقيق أهداف الرؤية، وليكون لمواردنا البشرية المواطنة نصيباً متصاعداً من اكتساب الخبرة وتطويرها وتمريرها لتدعم الميزة التنافسية لاقتصادنا الوطني.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى