آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

مسير العشاق في الأربعين

السيد فاضل علوي آل درويش

الحركة النهضوية للإمام الحسين في وجه الظلم والعدوان وتحريف القيم الدينية، استطاعت أن تشكل مفصلا مهما ومنعطفا كبيرا في مسير الإصلاح والدعوة إلى الاستظلال بالفضيلة والعدالة، ولقيت صدى كبيرا في نفوس الأحرار وعشاق الإباء وشجاعة الموقف، فأصحاب النفوس القوية ممن يسلكون طريق التكامل والعمل المثابر، يجدون في مضامين النهضة الحسينية خير دستور وطريق ينهلون منه ما يعلي شأنهم ويسهم في رقي شخصياتهم وتقدم مجتمعاتهم، فالحسين منار هدى وخطى نجاح وفلاح لمن اقتبس من نور عطائه الفياض.

وهذه النهضة الإصلاحية الكبرى ما كان لها أن تلقى الصدى الكبير والتفاعل الوجداني والفكري معها على مدى الزمان، فأضحت درة ثمينة تتوارثها الأجيال وتتمعن في عطائها ومضامينها، لولا ذلك الدور الإعلامي المهم الذي ابتدأ مسيرته الإمام السجاد والحوراء في تعريف الناس بحقيقة ما جرى في كربلاء من مجزرة فظيعة يندى لها جبين البشرية، والتي حاول بنو أمية أن يطفئوا وهج النهضة ويئدوا نتائجها الكبيرة، من خلق حالو الوعي والإرادة الممانعة للظلم والفساد، فكانت واقعة الطف مشعل الكرامة والدعوة إلى التحرر من أغلال العبودية ونزع رداء الخوف والتماهي مع قسوة الطغاة وجبروتهم واستبدادهم، فكانت النهضة الحسينية قبلة الأحرار ومهوى أفئدتهم.

فليس هناك من ظروف صعبة ومعوقات يمكن أن يواجهها المرء في حياته، كالتي مر بها الإمام الحسين من تخاذل الناس وتكالب الأعداء عليه، ومع ذلك استطاع أن يسجل انتصارا ساحقا على الطغيان بدمائه الزاكية، فتجذر الفهم الناضج عبر الأجيال بعد أن استوعبوا حقيقة النهضة الحسينية واستخلصوا العظات منها، وتسلحوا بنقاط القوة منها والتي أساسها امتلاك الوعي والإرادة والاستبسال.

وزيارة الأربعين هي الصوت الولائي الذي يعبر فيه المؤمنون عن انسلاخهم من الاستعباد والخلود إلى الدنيا، ويعبرون بخطاهم ثباتهم والتزامهم طريق الهدى والعبودية الحقة لله تعالى، فالإمام الحسين كما وحد في كربلاء بين أطياف مجتمعية متنوعة في أنصاره، هاهو اليوم يوحد زواره على اختلاف مناطقهم وقومياتهم تحت شعار: «هيهات منا الذلة»، فينهلون من قيم كربلاء الإباء والتضحية في سبيل الله والنفس المتفانية في الحق وبذل الجهد.

وإذا كان الأوغاد طلبوا من مسير السبايا من بلد إلى آخر الإمعان في توجيه الأذى للعترة الطاهرة والتشفي منهم، فإن هذه الجماهير الواعية في تعداد مليوني تحيي هذه الذكرى مواساة لأهل البيت الذين تحملوا مشقة ومتاعب مسير طويل اكتنف كل ألوان الأذى النفسي والجسدي، وهاهم قد انخرطوا في المسلك الحسيني التربوي فإنهم مستعدون لبذل الجهد والوقت في سبيل تثبيت العدالة الإنسانية وتقديم كل ألوان العطاء للمحتاجين، والعمل على تغيير الباطل والفساد تحت مظلة الأمر بالمعروف.