آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

ثقافة الإيثار

محمد أحمد التاروتي *

يمثل الإيثار قمة العطاء الإنساني، فهذه القيمة الاخلاقية، بمثابة انعكاس لصفاء الروح لدى البعض، اذ من الصعب امتلاك مثل هذه الصفة الاخلاقية الفاضلة، في مختلف أفراد المجتمع، الامر الذي يفسر التقدير والمديح، الذي يلقاه اصحاب الإيثار في المجتمع، خصوصا وان انتشار هذه القيمة، يسهم في خلق بيئة اجتماعية متماسكة، قادرة على مقارعة الاخلاق الشيطانية، التي تدعو للأنانية، وتجاهل المرء لاخيه الانسان وقت الحاجة.

الإيثار لا يقتصر على الجوانب المادية، والاستعداد التام لبسط اليد بكل اريحية، وتقديم المساعدة للاطراف المحتاجة، حيث تتمثل هذه الصفة الاخلاقية في تقديم المال، وجميع أصناف المساعدة الملموسة للاخرين، بغرض إنقاذ النفس من الهلاك، او المساهمة في رفع جزء من المعاناة، الناجمة عن ضغوط الحياة، فالمساعدة تأخذ أشكالا متعددة، فتارة تكون بطريقة مباشرة، او غير مباشرة، بمعنى اخر، فان التحرك باتجاه حث الاخرين، على تكريس الترابط الاجتماعي، عامل إيجابي، خصوصا وان النزعة الفردية تمثل مرضا اجتماعيا قاتلا، باعتباره عامل مساعد في التفكك، والتخلي عن الروح الجمعية، مما يسهم في نهاية المطاف، الى طغيان الانانية في النفوس، على مبدأ الإيثار والعطاء.

تشمل هذه السمة الانسانية الراقية الجوانب المعنوية، والتحرك الجاد لخلق الظروف المناسبة، لنشر المبادئ الاخلاقية ذات الأثر، في تكريس مبدأ إنقاذ الاخرين، والتفاني في ازالة العقبات عن طريق النجاح، خصوصا وان المرء يمتلك القدرة على بناء مجتمع، يتناغم مع جراح والام الاخرين، مما يقود للإحساس بمعاناة المحتاج، والرغبة في تقديم يد العون بشكل طوعي.

الإحساس بالترابط الاخوي، والشعور بالانتماء للبيئة الاجتماعية، تمثل عناصر أساسية لانتشار ثقافة الإيثار، فالمرء لا يقدم على تقديم الاخر على ذاته، بشكل طوعي دون الإحساس، باهمية الطرف الاخر، خصوصا وان الانسان يحب ذاته، ويحرص على الاحتفاظ بما لديه، دون التفكير في الاخر، بينما يتحول الفرد الى كائن ملائكي، بمجرد الشعور بالانتماء الحقيقي، للمجموعة التي يعيش فيها، «مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى».

الإيثار ممارسة، عملية تبرز في مختلف الأوقات، ولكنها تظهر في الأوقات العصيبة، والمفصلية في حياة المجتمع، فالعطاء يختلف وقت الرخاء والبحبوحة، عن أوقات الشدة والحاجة، بمعنى اخر، فان قيمة المرء ترتقي لمستويات عالية، عند إظهار الإيثار في الأوقات الصعبة، ففي هذه الأوقات تظهر المعادن الصافية للبشر، بخلاف أوقات الرخاء وعدم الحاجة، اذ يحرص المرء في الأوقات الحرجة، على تقديم ذاتيه على الاخر خوفا على حياته، وبالتالي، فان الإيثار في أوقات الشدة، يحمل قيمة مغايرة عن زمن الرخاء، فالانسان يكون اكثر حاجة للمساعدة في الأوقات العصيبة، مما يفسر تسجيل بعض الكتب لقصص الإيثار، في أوقات الحرجة، ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ.

كاتب صحفي