آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

ثقافة الهجرة

محمد أحمد التاروتي *

تمثل الهجرة احدى الخيارات لحفظ النفس، او للهروب من الظلم والجور، او للبحث عن فرص واعدة، والرفع بالمستوى الاقتصادي، سواء نتيجة وجود السلطة الجائرة، او جراء وجود شخصيات اجتماعية، قادرة على ممارسة القهر والاستبداد، تجاه شريحة واسعة من المجتمع، ﴿قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً.

خيار الهجرة يكون في بعض الأحيان قهريا، وليس اختيارا، خصوصا وان الانسان يعشق الارض، التي ولد وترعرع فيها، بيد ان الممارسات لا تدع مجالا للتمسك، بتلك البقعة الجغرافية، بمعنى فان البعض يحاول قدرة المستطاع، طرد الهجرة من خياراته المطروحة، في سبيل تحمل مختلف انواع القهر والضيم، الا ان مستوى الظلم وعدم القدرة على التحمل، يدفع باتجاه الخروج وترك الارض بحثا عن حياة، اكثر رخاء واستقرارا، فالتاريخ ينقل عن النبي ﷺ قوله حين خروجه من مكة إلى المدينة: «اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إليّ فأسكني أحب البلاد إليك».

ترك الاوطان الأصلية، والبحث عن بدائل جديدة، مرتبط في بعض الأحيان، بالظروف السياسية السائدة، خصوصا وان غياب الحرية، وسيطرة الاستبداد، تمثل احد الأسباب وراء الهجرة للخارج، نظرا لعدم القدرة على ابداء الرأي، نتيجة سيطرة الصوت الواحد، واسكات جميع الأصوات الاخرى، الامر الذي يفسر تزايد الهجرة من البلدان المتخلفة، وانعدامها في البلدان المتقدمة، التي تتمتع بهامش واسع من حرية التعبير، والسماح للأحزاب بالعمل السياسي، وممارسة المعارضة تحت سقف القانون.

الظروف الاقتصادية، وتدني مستوى الدخل للفرد، وانتشار الفقر، تمثل بدورها عوامل قاهرة على ترك الاوطان، اذ يحاول البعض تحسين الوضع الاقتصادي، بالهجرة للبلدان، التي تعيش وضعا معيشيا مرتفعا، فالبحث عن لقمة العيش تدفع للمخاطرة، في سبيل الوصول الى تلك البلدان، بمعنى اخر، فان الهجرة الاقتصادية لا تكون في بعض الأحيان، بطريقة غير شرعية، لاسيما وان عملية الوصول الى ارض «الأحلام»، ليست متاحة للغالبية العظمى، مما يضطر للتعامل مع مافيا التهريب، مما يعرض حياة الجميع للخطر جراء ركوب قوارب الموت.

الهجرة لا تمثل بيع الوطن، او نوعا من التنكر للأرض، حيث تمثل احد الخيارات المتاحة للإنسان، لمحاولة البحث عن فرص عيش، وبناء الذات بصورة تنسجم، مع الطموحات الشخصية، خصوصا وان البعض يمتلك قدرات علمية مهدورة، سواء جراء الفساد المستشري في بعض البلدان، وسيطرة فاقدي الكفاءات، على مفاصل الجامعات ومراكز البحوث، او بسبب عدم وجود الإمكانيات اللازمة، لتفجير تلك الكفاءات، بما يسهم في خدمة الوطن، الامر الذي يدفع باتجاه البحث عن مواقع اخرى، تفتح ابوابها لاستقبال تلك الادمغة العلمية.

النجاح في تحقيق الاهداف المرسومة، من وراء الهجرة، مرتبط بوجود الارادة وتوافر الظروف المناسبة، فهناك إعداد كبيرة ذهبت جهودها ادراج الرياح، جراء الافتقار للإمكانيات الشخصية القادرة، على ترجمة الاهداف الى واقع ملموس، او نتيجة اختلاف الظروف السياسية، والاقتصادية في البلدان الجديدة، مما يحول دون القدرة على احداث تغييرات جوهرية، في الشخصيات المهاجرة في بلدان «الأحلام».

كاتب صحفي