آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

منتدى الرياض.. طريق صعب من تحقيق الرؤية إلى مكافحة الفساد

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الإلكترونية

قابلت أبا إبراهيم، طود شامخ لطالما نافح عن الصناعة والصناعيين لسنوات، ولا أنسى نقاشاته منذ التسعينيات، تتفق معه أو لا، فلن تملك إلا أن تُعجب بمدى الشغف والاهتمام. وفي الألفية الثانية، جَلبَ ذات الشغف لمنتدى الرياض الاقتصادي، وسعدت بعضوية مجلس الأمناء في الحقبة التأسيسية، ومصدر السعادة أبا إبراهيم وقامات أخرى سامقة، كان العمل يمتد لساعاتٍ، ولم يكن أبا إبراهيم يكل أو يمل.

البارحة كرم سمو أمير منطقة الرياض، الرئيس الفخري للمنتدى، أبا إبراهيم وهو المنهدس سعد إبراهيم المعجل، وقال سموه في حقه كلمات فيها وفاء وإحتفاء مستحق.

تكللت جلسة البارحة بعبق ”الرؤية السعودية 2030“ وكيفية تحقيقها، أخذني ذلك لذات الحَدَث قبل أربع سنوات، في الدورة السادسة للمنتدى، وكانت عشية يوم أثنين عندما ناقش المنتدى قضية القضايا، وهي الفساد. كان الطرح إطارياً، وكان بمعايير تلك الحقبة جريئاً وموضوعياً ومنهجياً، ومثلت تلك الدراسة - في تقديري - علامة فارقة. وطرحت توصيات، كانت آنئذ أشبه ما يكون بقائمةٍ من الأماني.

ما زالت تصدح في ذاكرتي، كيف كان مُقدم الدراسة، يلامس الأمر ملامسة، حتى أني شعرت بأن العرض يعيد على مسامعنا البديهيات والعموميات التي نعرفها جميعاً، آنئذ كنت أتمنى لو أن العرض أخذ «خزعة» من أعماق أعماق عالم الفساد، وعرضها علينا، فالقضية لم تعد تثقيفية بل هي تحدٍ تنموي هائل، وقتها كتبت ”أن ليس من المبالغة القول إن تقدم التنمية يقف وجهاً لوجه أمام اجتثاث الفساد المالي والإداري من بلادنا، بصرامة وحزم.“

أعود لقضية الفساد لأقول: إن البنية التحتية والشرط اللازم للبدء في اقتلاع الفساد وتدمير مكامنه يتجسد في الشفافية والافصاح، فبدون الافصاح والشفافية تتوافر عتمة تتشكل حولها بيئة حاضنة للفساد، بمعنى أن توفير أعلى درجات الافصاح والشفافية يُفسد على المفسدين مساعيهم فتصبح احتمالات تحقق مساعيهم أقل والتكلفة عليهم أعلى وتدبير مساعيهم أكثر تعقيداً، ولهذا السبب تحديداً أصبح مؤشر الشفافية والافصاح هو مقلوب مؤشر الفساد، أي أنه كلما زادت الشفافية انحسر الفساد والعكس بالعكس.

واليوم، جعلت حكومة خادم الحرمين الشريفين مكافحة الفساد واجتثاثه في مقدمة أولوياتها، فتأسست اللجنة العليا لمكافحة الفساد برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، واتخذت خطوات ملموسة نحو مساءلة المنسوبة لهم تهم الفساد. ولمكافحة القضية التي وضعت لها الحكومة الموقرة استراتيجية لمكافحتها وأنشأت هيئة لمحاربتها، وتوجت ذلك الجهد بتشكيل اللجنة العليا لمكافحة الفساد، فيصبح من الملائم القول أن ثمة حاجة للنصف المكمل، وهو اصدار قانون للشفافية والافصاح وخصوصاً فيما يتعلق بكل نشاط يقع تمويله والانفاق عليه من الخزانة العامة للدولة - رعاها الله -، وبذلك نجد أن جردة حساب لما نُفذ من مشاريع الميزانية وما لم ينفذ، بل وأكثر من ذلك بكثير، فلمكافحة الفساد ركائز يَنشط عندما تغيب بعضها أو كلها: الشفافية والافصاح والمساءلة.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى