آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 7:06 م

ثقافة التغيير

محمد أحمد التاروتي *

التحولات الاجتماعية والفكرية، في البيئة الاجتماعية عملية اعتيادية، اذ تعتبر احد الإفرازات الطبيعية للمجتمع الحي والنشط، اضافة لكون تلك التحولات حركة اعتيادية، للتفاعل مع المجتمعات البشرية الاخرى، لاسيما وان الانسان يؤثر ويتأثر، بالمحيط القريب بالدرجة الاولى، والمحيط البعيد بالدرجة الثانية، خصوصا في التطور التكنولوجي الهائل في العصر الحديث، بحيث اضحى العالم في قبضة يد الانسان، جراء القدرة على الوصول لآخر الأحداث لحظة بلحظة.

اختلاف التفكير بين الأجيال، يمثل احد العوامل لأحداث التحولات الفكرية والثقافية، اذ يحاول كل جيل ترك بصمة واضحة، تنسجم مع نوعية الثقافة التي يتحرك من خلالها، مما يدفعه لمحاولة فرض شخصيته الفكرية والثقافية، ضمن الصراع القائم بين الأجيال السابقة واللاحقة، الامر الذي يفسر محاولة الجيل القديم التمسك بالمفاهيم السابقة، ومحاولة مقاومة كافة اشكال التجديد، ربما لعدم القدرة على فهم تلك التحولات، او الخشية من تداعيات سيطرة، مثل هذه التطورات على التركيبة الفكرية للمجتمع، الامر الذي يسهم في هدم القواعد، التي يقف عليها المجتمع منذ سنوات، بيد ان الصراع يحسم في الغالب للجيل الجديد، وبالتالي فان الأجيال القديمة تتوارى للخلف بشكل تدريجي، مما يجعل الساحة للتحولات الفكرية الجديدة، مشرعة للطرف المنتصر دون منازع، ”لا تكرهوا أبناؤكم على اخلاقكم فانهم خلقوا لزمان غير زمانكم“.

محاولة مقاومة التحولات المتلاحقة، والسريعة، ليست مضمونة النتائج، لاسيما وان التيار الجارف للمفاهيم الجديدة، يفرض كلمته في نهاية المطاف، الامر الذي يسهم في إلحاق هزيمة ماحقة، بالتيار الرافض لتلك التحولات المتسارعة، مما يحول دون القدرة على ايقافها، او محاولة القضاء عليها، الامر الذي يدفع التيار المعارض، لمحاولة حفظ ماء الوجه، عبر التحكم في وتيرة تلك التحولات الفكرية والثقافة، نظرا لهزيمته في الصراع المباشر، بمعنى اخر، فان التطور الثقافي والفكري المنسجم مع إيقاعات العصر، لا يشكل تهديدا على المجتمع، بقدر ما يكشف عن الانفعالات الايجابية، تجاه ما يدور في العالم الخارجي، فيما يشكل التمسك بالمفاهيم الفكرية والثقافية السابقة، فشلا في القدرة على قراءة التحولات الكبيرة، الحاصلة في مختلف المجالات.

الدعوة للتفاعل مع التحولات الفكرية، والثقافية، عامل إيجابي لمحاولة الاستفادة، من التجدد الدائم والطبيعي، بيد ان تلك الدعوة لا تعني التنازل عن المرتكزات الفكرية، والثقافية المستندة، على المبادئ الاخلاقية، وقيم العدالة، باعتبارها ثوابت راسخة، تمثل الهوية الحقيقية للمجتمع، وبالتالي فان التنازل عن تلك القيم، بمثابة التضحية بالهوية، مقابل بعض المفاهيم الدخيلة، وغير القادرة على صيغة هوية المجتمع، الامر الذي يحول دون قدرة المجتمع، على السير وفق منهج واضح المعالم، مما يعني التخبط والضياع في أتون مفاهيم، غير قادرة على انارة الطريق، والسقوط في منتصف الجادة، والفشل في النهوض مجددا، نظرا لفقدانه الهوية الخاصة، التي تمثل سفينة النجاة، في البحر المتلاطم، بمختلف التيارات الفكرية والثقافية.

كاتب صحفي