آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

داء الفساد كسوسة النخيل

الدكتور عبد الله محمد الحسن صحيفة الاقتصادية

تعتبر ”سوسة النخيل الحمراء“ من أخطر الآفات التي هاجمت واحة الأحساء. فقد تعتبر الإصابة بهذه السوسة مدمرة وقاتلة إذا لم تتم معالجتها؛ لأنها تعمل على تدمير جذع النخلة من الداخل. فقبل اكتشافها عام 1987، بعض سعف النخيل كان يبدأ بالذبول والاصفرار ثم تجف الأوراق وبعدها يميل الرأس إلى الانحناء ثم السقوط. إن الضرر الحقيقي الذي تحدثه هذه الآفة هو موت النخلة وتدمير محصول التمور إذا لم تتم مكافحتها بمواد كيماوية، وفي أسوأ الحالات اجتثاث النخيل المصاب ومن ثم فرمه في منطقة بعيدة حتى لا تنتقل العدوى إلى بقية النخيل.

سرطان الفساد مثل سوسة النخيل، وكما ذكرت في المقال السابق ”اجتثاث الفساد من جسد البلاد“ أن الحل الدائم لمكافحة الفساد هو العمل الجماعي المشترك بين الدولة والمواطن والإعلام؛ لأن ذلك يتطلب عملا مستمرا على جبهات متعددة؛ لإحداث تحول كبير في تغيرات المفاهيم الاجتماعية، ودفع البلاد إلى الخروج من مصيدة الفساد. فتحسين المؤسسات الحكومية وخفض الفساد لا بد أن يسيرا جنبا إلى جنب، ولكن هذا القول أسهل من الفعل. لذلك نلاحظ أن المملكة جعلت مكافحة الفساد الأولوية القصوى لتحسين عمل المؤسسات الحكومية وزيادة فعالية الإنفاق الحكومي.

وتشير التجارب الدولية إلى أن وجود استراتيجية فعالة لمكافحة الفساد يتطلب أطرا قانونية قوية وصرامة في اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال الفاسدين. كما أن القيادة القوية ضرورية لضمان استمرار الدعم العام من جانب شرائح واسعة من المجتمع طوال هذه المعركة الطويلة. ويمكن أن تشمل الاستراتيجية الجوانب التالية:

أولا: رفع مستوى الشفافية: منذ سنتين، كنت في حديث جانبي مع صديقي النرويجي ”كان يعمل سابقا كمدير عام في مكتب رئيس الوزراء، وبعدها انتقل إلى وزارة المالية لتأسيس إدارة الأصول التي تقوم بإدارة أكبر صندوق سيادي في العالم“ عن أهمية الشفافية في إدارة شؤون الدولة. ذكر أن الشفافية هي ”صمام الأمان“ لتعزيز ثقة الشعب بالحكومة، تطمين المستثمرين، والأهم من ذلك كله حماية متخذ القرار في الدولة. إن عدم الشفافية في السابق جعل الفساد ينخر في جسد البلاد من خلال استنزاف موارده التي كان من الممكن استخدامها في تطوير التعليم والصحة والبنية التحتية، وبالتالي جعل المملكة محطة لاستقبال الاستثمارات وبلدا منافسا على الساحة الدولية.

الشفافية أمر أساس للحد من الفساد وزيادة فرص الكشف عن الفساد. وتشمل التدابير التقليدية الرامية إلى زيادة الشفافية والمساءلة، من بين أمور أخرى، قوانين حرية الحصول على المعلومات من المؤسسات الحكومية، والإفصاح عن الدخل والأصول بشكل دوري للعاملين في المناصب العليا في الدولة، وعمليات التدقيق العشوائي، وتعزيز الإدارة العامة والشفافية المالية، وتحسين إدارة الشركات المملوكة للدولة. ولكن إضافة إلى هذه الإجراءات التقليدية، يمكن بذل مزيد من الجهود لدفع حدود الشفافية والمساءلة: مثلا، الإفشاء عن معلومات الملكية للشركات التي يمكن توفيرها من خلال قاعدة سجلات الشركات المركزية. وهذا ليس من الصعب تطبيقه؛ حيث إن ”برنامج قوائم“ في وزارة التجارة والاستثمار تتوافر فيه ليس فقط القوائم المالية ولكن معلومات المنشآت. كذلك، يمكن للمؤسسات العامة والخاصة المشاركة في المشتريات العامة أو الاستثمار أن تنشئ لجانا داخلية لمكافحة الفساد، وتقدم تقاريرها بشكل مباشر إلى مجلس الإدارة أو المراقب المالي أو النائب العام لتعزيز التعاون بين أصحاب المصلحة الداخليين والمراجعين الخارجيين. ويمكن معالجة تضارب المصالح بتعليق الأنشطة التجارية للمسؤولين الحكوميين من خلال تخليهم عن إدارة أصولهم إلى أطراف خارجيين ”خلال فترة عملهم في القطاع العام“.

ثانيا: إنشاء فرق متخصصة: العقبة الأساسية أمام أي حكومة تقوم بمكافحة الفساد هي أن يكون الفساد متوطنا بعمق في نسيج بعض المجتمعات، وأن التغييرات في السلوك تتطلب تحولا كبيرا في التوقعات، بحيث ينظر إلى الفساد على أنه الاستثناء وليس القاعدة. وإذا كان هناك تواطؤ في الفساد من قبل بعض العاملين في القطاع العام، فإن الجهود الرامية إلى كبح الفساد قد تتطلب إنشاء فرق عمل متخصصة ومستقلة.

ثالثا: البيروقراطية: القوانين والإجراءات غير الضرورية توفر أرضا خصبة للفساد من خلال التحايل بقدر المستطاع على الأنظمة القائمة بطرق قانونية، خاصة أن التصرفات الفاسدة تكون في بعض الأوقات في قمة الهرم، حيث إن هذه الأنظمة لها دهاليز لا يعلم مخارجها إلا بعض المسؤولين. ومن ثم، فإن تعزيز المنافسة العادلة في الاقتصاد وخفض الإجراءات الروتينية عنصران رئيسان لمكافحة الفساد.

في نهاية المطاف، كما أن الوقاية من آفة سوسة النخيل تستلزم استعمال المبيدات الكيماوية التي تمنع وضع بيوضها داخل النخيل، كذلك مكافحة الفساد تتطلب الوقوف ضد أصحاب المصالح ذات النفوذ القوي  سواء في القطاع العام أو الخاص  للمحافظة على نزاهة مؤسسات الدولة. إن عزم الدولة على استئصال الفساد ودعم المواطنين للقضاء على هذه الآفة التي تنخر في مفاصل المجتمع يوفر فرصة نادرة للحفاظ على زخم الإصلاح نحو القضاء على سرطان الفساد، ولكن في الوقت نفسه هناك حاجة أيضا إلى بذل جهود أكبر للتقليل من التكاليف المصاحبة للإصلاح على المدى القصير ”مثلا، انخفاض الاستثمار والاستهلاك بسبب حالة عدم اليقين من نتائج هذه الإصلاحات“ نحو تحقيق مجتمع أكثر عدلا واقتصاد أقوى للجميع على المدى الطويل.