آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

نبي الرحمة

محمد أحمد التاروتي *

في ذكرى مولد سيد البشر، والأنبياء ﷺ، يحار المرء في تناول شخصية بهذا الحجم، فكل لحظة من لحظات حياته الشريفة، تمثل نبراسا للبشرية جمعاء، اذ يكفي وصف الخالق للرسول الاكرم ﷺ، في كتابه الكريم بقوله ﴿و ما ارسلناك الا رحمة للعالمين.

في كل عام، تمر هذه الذكرى السعيدة، على العالم الاسلامي، من اجل الاحتفال بمولد سيد الأنبياء ﷺ، لاسيما وان الاحتفال يسهم في إلقاء الضوء، على نقطة من بحر سيرته العطرة، خصوصا وان المرء مهما امتلاك من سحر البيان، وقدرة على تطويع الحروف، سيبقى عاجزا ومتصاغرا امام شخصية سيد الخالق، فالمسلم يدين للرسول الاكرم ﷺ بإخراجه من الضلال الى الهداية، حيث تحمل في سبيل نشر الدعوة الاسلامية، ما لم يتحمله غيره من الأنبياء، «ما أوذي نبي مثلما أوذيت».

رحمة رسول ﷺ شملت الجميع، بحيث رفض الدعاء على قومه، رغم الاذى الذي لقاه من كفار قريش، اثناء تواجده في مكة، حيث لقى مختلف انواع الاذى من قبل مشركي مكة، اذ كان يكرر «اللهم اهدي قومي فانهم لا يعلمون»، فالتاريخ ينقل طريقة استقبال اهل الطائف، عندما ذهب الى اهلها للدعوة الاسلام، حيث عمد اهل الطائف لتحريض الصبيان على رمي سيد البشر ﷺ بالحجارة، حتى خرج الدم من أقدامه الشريفة، بيد ان رحمة البني ﷺ، جلس يناجي ربه بالدعاء «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس؛ يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي؛ إلى من تكلني! إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري؛ إن لم يكن بك على غضب فلا أبالي».

ترجم سيد الخلق ﷺ الرحمة الواسعة، اثناء فتح مكة، فقد تجاوز عن كافة الجرائم، التي ارتكبتها قريش بحقه وأصحابه، طوال السنوات الماضية، كما تناسى عن الحروب التي اشعلتها قريش، والدسائس التي حاكتها، اذ بمجرد دخول مكة فاتحا رفع شعارا «الْيَوْمَ يوم المرحمة.. الْيَوْمَ تصان الحرمة»، كما تجاوز عن مشركي قريش بقوله «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، فمثل هذه الاخلاق ليست معروفة لدى العرب، لاسيما وان المنتصر، يسعى للتنكيل بالعدو وإذلاله، بيد ان سيرة المصطفى ﷺ سطرت ملحمة مغايرة تماما، عن اخلاقيات الحروب المتوارثة، لدى القبائل العربية.

سيرة الرسول الاكرم ﷺ في المدينة المنورة، تحمل كذلك الكثير من المواقف مع الصحابة وغيرهم، اذ ينقل التاريخ تشفع نبي الرحمة ﷺ، لجارية جلست تبكي الطريق، بعد فقدانها الدراهم المعطاة لها، لشراء بعض الحاجيات، فهذه الجارية خشيت من العودة للمنزل، خوفا من عقاب سيدها، بعد ضياع الاموال، بيد ان الرسول ﷺ قام بايصال الجارية، لمنزل سيدها والتشفع لديها من العقاب، فهذه القصة تحمل دلالات كثيرة، وتعكس القلب الرحيم، لدى سيد البشر تجاه الجميع، فهو لا يفرق بين حر ومملوك ورجل وامرأة.

كاتب صحفي