آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

بوتين للفالح: لما لا تشترون الغاز من روسيا؟!

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الإلكترونية

يبدو أن الرئيس الروسي بوتين كان يمازح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي، م. خالد الفالح، عندما عرض عليه شراء الغاز الطبعي الروسي والاحتفاظ بالنفط السعودي تحت الأرض، فالفكرة - للوهلة الأولى - قد لا تكون مجدية اقتصادياً أخذاً في الاعتبار الخيارات الأخرى المتاحة، والتي يعززها توجه السعودية للطاقة المتجددة من خلال برنامج طموح، أطلقت أولى مراحله في النصف الأول من هذا العام.

وفوق هذا، فالسعودية تستهدف - من خلال تحقيق الرؤية 2030 - إلى تنويع مصادر الدخل، وكسر اعتماد خزانتها العامة على النفط، ولكن ليس لدرجة أن تستورد الطاقة من الخارج وتبقي مصادرها تحت الأرض. ولكن ماذا عن روسيا؟ روسيا تسعى أن تصبح أكبر مُصَدرّ للغاز في العالم، فهي حالياً تلبي ~30 % من احتياجات الاتحاد الأوربي من الغاز، وتلتفت بحماس لزيادة حصتها من السوق الأسيوية الواعدة، وآخر استثماراتها لتعزيز وضعها العالمي هو مشروع ”يامال“ بتكلفة 27 مليار دولار، الذي بدأ إنتاجه الأسبوع الماضي، وشارك في افتتاحه وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي، حيث سأله الرئيس بوتين: لما لا تشترون الغاز منا؟

ما كان ملفتاً في مقطع الفيديو الذي يُظهِر الرجلين يتحدثان، فهو تقدم العلاقات بين البلدين الذي وصل إلى مرتكز اقتصادهما وهو الطاقة. ولابد من التمعن في هذا اللقاء العابر، إذ انه يأتي بعد أن عمل البلدان سوياً لتحقيق اتفاق ”أوبك+“ لإعادة التوازن للسوق، ونجح في تقليص الفائض، ونجحا في تمديد الاتفاق حتى نهاية العام القادم 2018.

ومع ما تقدم، فلابد من النظر للحديث العابر عن الغاز الروسي تحت ضوء كاشف، أي خارج الاطار التقليدي، إذ لابد أن نتذكر نقطتين: الأولى، عند تعاملنا مع ملف الطاقة، مهمٌ أن يحضرّ في وعينا دائماً أن أرامكو لم تَعدّ شركة نفط حكومية تقليدية، لاسيما أنها أطلقت قبل سنوات «تحديداً في العام 2011» برنامجاً للتحول الاستراتيجي، أعلنت من خلاله أنها ليست مجرد شركة للتنقيب واستخراج وتسوق وتكرير النفط، بل تتطلع لأن تكون شركة عالمية للطاقة والبتروكيماويات تعمل في 50 بلداً، ومن مُستخدِم دؤوب للتقنية إلى مُنتِجٍ لها، ومن مُوَرّدّ للإيرادات للخزانة العامة السعودية إلى مُمَكنّ ومساهم في النمو الاقتصادي.

الثانية: أن العلاقة مع روسيا هي ضمن نَسَق العلاقات الاستراتيجية، وقد تجسد ذلك فيما شهدته الزيارة الملكية لروسيا من زخم اقتصادي، نتج عنه الإعلان عن شراكات ومبادرات واستثمارات متبادلة بما في ذلك استثمارات مباشرة من قبل الصناديق السيادية للدولتين.

ويتجسد حماس وجدية الروس لتحقيق الشراكة الاستراتيجية السعودية - الروسية، في جملة من الأمثلة الدالة، منها: الأول، الالتزام الذي أبداه رئيس جهاز الاستثمار المباشر الروسي للمساهمة في مدينة ”نيوم“، ليس فقط بالمال بل عن عزم الصندوق الاستثمار مع شركائه من كبريات الشركات الروسية الرائدة الاستثمار في 5 قطاعات، وهي الطاقة الشمسية، والرعاية الصحية، والنقل السريع، وقطاع البنية التحتية للموانئ لنقل المنتجات الزراعية بمبادرة تعزز من وضع ”نيوم“ كمرتكز لوجستي، عندما أعلن أنها ستكون منطقة لتوزيع القمح الروس، ونعلم أن روسيا تنتج نحو 12% من انتاج العالم من القمح.

الثاني، الالتزام الاستراتيجي من قِبَل روسيا لخفض انتاجها من النفط التزاماً باتفاق ”أوبك+“، الذي يمكن الجدل أنه تحقق نتيجة للدور القيادي والمبادر الذي مارسته السعودية حتى تصبح المشاركة الروسية حقيقة. وفي هذا السياق، وبالنظر لأفق الشراكة الاستراتيجية السعودية - الروسية، وأخذاً في الاعتبار ”الأجندة العالمية“ التي تنتهجها أرامكو بعد إقرار برنامج تحولها، منذ عدة سنوات، يصبح مبرراً الحديث عن التوصل لشراكات في مجال الطاقة - على تفاوت مجالاتها - بما في ذلك الغاز الطبيعي؛ إذ لا يوجد ما يمنع ذلك مادام أنه مجدي اقتصادياً. ومع ذلك، لابد من الاستدراك بالقول إن الشراكات الاستراتيجية هي عبارة عن حزمة من المشاريع والمبادرات، ولابد أن يُنظر لها كحزمة، وليس التمحور فقط في جدواها فُرادى.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى