آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

من يحمي المبلغين عن الفساد؟

الدكتور عبد الله محمد الحسن صحيفة الاقتصادية

تقدر الأمم المتحدة أنه يتم دفع تريليون دولار أمريكي بالرشوة سنويا، في حين أن أكثر من ضعف هذا المبلغ - 2,6 تريليون دولار - يتم سرقته سنويا من خلال الفساد. وهذا يعادل بدوره أكثر من 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. 

لذا في قمة كوريا الجنوبية في نوفمبر 2010، حدد قادة مجموعة دول العشرين حماية المبلغين عن المخالفات كأحد المجالات ذات الأولوية القصوى لمكافحة الفساد: ”تقديم الحماية من الإجراءات التمييزية والانتقامية للمبلغين عن المخالفات الذين يبلغون بحسن نية عن أفعال الفساد المشتبه فيها، ستقوم بلدان مجموعة العشرين بسن وتنفيذ قواعد لحماية المبلغين عن المخالفات بحلول نهاية عام 2012“. 

ولكن حسب تقرير مجموعة العشرين عن خطة عمل مكافحة الفساد لحماية المبلغين عن المخالفات، فقط أستراليا وكندا واليابان وجنوب إفريقيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة أصدرت تشريعات شاملة لحماية المبلغين عن الفساد في القطاع العام. 

أحد القراء يسرد تجربته في التبليغ عن الفساد من خلال الإشارة إلى أن التعامل مع المبلغين عن الفساد هو ما يرهب ويرعب الناس أكثر من الفساد، لأنهم يخافون على أنفسهم من المضايقة والترهيب. حتى لو تم التحقق من الفساد، فلا حماية شخصية ولا تقدير ولا تعويض للمبلغ عن وقته ومعاناته. 

لذا، فإن إزالة العقبات أمام المبلغين عن المخالفات يمكنها أن تسهم في الوقوف في وجه الفساد في مرحلة مبكرة، وتعزيز ثقافة المساءلة العامة والنزاهة، وزيادة فرص الكشف عن الفساد، وحماية المصلحة العامة. فالتبليغ عن الفساد يعد وسيلة أكثر فعالية من الضوابط الروتينية أو عمليات التدقيق الداخلي، حيث أظهر تقرير عن الاحتيال العالمي أن 32 في المائة من الحالات التي اكتشف فيها الفساد كانت من قبل الموظفين الذين قاموا بتوفير المعلومات التي سهلت التحقيق ”وتصل هذه النسبة إلى 48 في المائة من الحالات في الولايات المتحدة“. 

لذلك أهم العقبات التي تواجه المبلغين عن الفساد هي عبء إثبات الفساد، وعدم كفاية المعرفة بالأنظمة والقوانين، والخوف من الأعمال الانتقامية من داخل بيئة العمل والمجتمع، والافتقار إلى التنفيذ الفعال للقانون في حالة كشف الفساد. ولكن السؤال الأهم: كيف يمكن تحفيز المواطنين للتبليغ عن الفساد؟ يمكن أن تشمل الاستراتيجية الجوانب التالية: أولا، تقديم الحوافز المالية: لتشجيع التبليغ عن المخالفات، اعتمد بعض بلدان مجموعة العشرين نظم المكافآت، بما في ذلك المكافآت النقدية. 

في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، قانون الادعاءات الكاذبة يسمح للأفراد بالمقاضاة نيابة عن الحكومة من أجل استرداد الأموال الضائعة، ويمكن أن يحصلوا على ما يصل إلى 30 في المائة من المبلغ المسترد. ويخول قانون دود - فرانك أيضا هيئة الأوراق والأسواق المالية دفع مكافآت للأفراد الذين يزودون الهيئة بمعلومات، وقد تراوح المكافآت بين 10 و30 في المائة من الأموال المستردة. 

ثانيا، الحوافز غير المالية: التكريم والإشادة بدور المبلغين في الكشف عن الفساد ”كجوائز سنوية للموظفين من أجل السلوك الأخلاقي المثالي“، وبالتالي إرسال رسالة قوية إلى المجتمع والقطاع الخاص بالتزام الدولة بالنزاهة وتشجيع الآخرين للتبليغ عن الفساد. 

ثالثا، التوعية: من خلال الترويج عن آليات مكافحة الفساد في أماكن العمل، وإيجاد ثقافة تنظيمية للشفافية تدعم المبلغين عن الفساد، والتقييم الدوري لفعالية نظام حماية المبلغين عن المخالفات. هذه بدورها تزود المبلغين بالمعرفة اللازمة لتحديد السلوك غير القانوني أو غير الملائم. فعلى سبيل المثال، تعمل إندونيسيا بجد من خلال لجنة القضاء على الفساد على الترويج لبرامج الكشف عن قضايا الفساد في الإدارات الحكومية والشركات المملوكة للدولة. 

خلاصة القول، يزداد خطر انتشار الفساد بشكل ملحوظ في المجتمعات التي لا يتم فيها دعم المبلغين عن الفساد. وتسهل حماية المبلغين في القطاع العام ”وكذلك القطاع الخاص“ عملية تقديم معلومات قيمة عن الرشوة، وإساءة استخدام الأموال العامة، والاحتيال، وغيره من أشكال الفساد. ومن أجل تشجيع التبليغ عن الفساد، لا بد من وجود إطار محدد وحماية قانونية فعالة إلى هؤلاء الأشخاص. 

هذه الحماية ستساعد السلطات على رصد عدم الامتثال للأنظمة وكشف انتهاكات قوانين مكافحة الفساد. أقل ما يمكن فعله هو حماية وتكريم الأشخاص الذين لديهم الشجاعة للوقوف في وجه الفساد من أجل الحفاظ على ممتلكات الدولة.