آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 7:06 م

الدهشة

محمد العلي * صحيفة اليوم

«وما هو الا ان أراها فجاءة

فأبهت حتى ما اكاد أجيب

ويُظهر قلبي عذرها ويُعينها

علي فما لي في الفؤاد نصيب»

بهذا يعبر عروة بن حزام العذري تعبيرا مشوقا عن «الدهشة» والذي يستطيع التعبير عن الدهشة اما ان يكون طفلا أو شاعرا أو فيلسوفا، والمراد بالتعبير هنا ليس هو «اللفظ» بل الرعشة الداخلية التي تعتري الانسان عندما يفاجأ بأن هذا او ذاك قد ظهرت له حقيقة اخرى وأصبح ذا معنى جديد وكأنه يرى لأول مرة.

الذي يلقي نظمة ثانية على قول عروة يعرف ان قلبه قد اعتاد اعذارها بل انه يعشقها ويعينها عليه، ولكنه ينتفض «كالعصفور بلله القطر» من الدهشة كلما نظر اليها، وهذا هو شرط الدهشة الفلسفية والشعرية والطفلية، أي ان تأتي المفاجأة من الشيء المعتاد لا الشيء الجديد، يقول الدكتور فؤاد زكريا: «لا يتمثل تقدم التفكير الفلسفي في كشف حقائق جديدة، بقدر ما يتمثل في إلقاء ضوء جديد على الحقائق الموجودة المعروفة من قبل، ذلك لأن قدرة الفلسفة لا تمتد الى مجال الخلق والابداع، إنما تنصب على التحليل والتفسير والفهم».

وبعبارة بعيدة عن ضباب الفلسفة، التفاحة سقطت آلاف المرات ولكن نيوتن وحده هو الذي اندهش من سقوطها فوصل الى اكتشاف الجاذبية، ان السفر في افتضاض المجهول يعطي نشوة الرسو على المرفأ بعد يوم عاصف، ولكنه لا يسمى دهشة، اما بعد ان يصبح معلوما مشاعا ويكتشف مرة أخرى متعريا عن معان جديدة فهذه هي الدهشة.

إن شرط الوجود السابق لما يسبب الدهشة غير متوفر عند الطفل توفره عند الشاعر والفيلسوف، فنشوته هي نشوة اكتشاف، انها «المشاهدة» بمعناها الصوفي، هي «نشوة الطفل اذا خاف من القمر» كما يقول السياب وهي - كما أظن - اعمق وأروع من دهشة الشاعر والفيلسوف معا.

اراك ترفع حاجبيك ازدراء من ظني هذا وبخاصة اذا كنت شاعرا أو فيلسوفا «لا سمح الله» مدعيا ان الشاعر السابح في الفضاء والفيلسوف الماشي على الماء.. هما اعمق دهشة من الطفل، وسوف لا ارد عليك، ولك ان تفسر موقفي هذا كما تريد، أو تتبع ابن الفارض في قوله:

وقد أشهدتني حسنها فشدهت عن

حجامي ولم أثبت حلاي لدهشتي

كاتب وأديب