آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

فرعون جثة هامدة

السيد فاضل علوي آل درويش

﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴿يونس الآية 92.

تتعدد أنوار الهداية الربانية لعباده ومد أسباب جلاء الحق فلا تحصى، فيوجه عقولهم نحو استيعاب وفهم الكثير من الظواهر حولهم وما بينهم، فليس هناك من عذر يحتج به من لزم الباطل والضلال.

وهذه آية من آيات الله تبسط أمام بني إسرائيل والعباد أجمعين، وهي النهاية والعاقبة والانتقام الإلهي ممن طغى وتجبر حتى ادعى الألوهية، إنه فرعون زمن نبي الله موسى والذي استخف العقول وموه على بصائرهم حتى أعماها؛ ليكون عبرة لمن تكبر واستعلى بسلطان الظلم والاستبداد، واحتمى بالإمهال الإلهي حتى ظن أنه يفلت من العقاب والاقتصاص من جوره، فأخذه الباري أخذ عزيز مقتدر ولم ينفعه إحاطة جنده به ولا مظاهر الاقتدار والاعتداد التي يلفها من حوله، إنه اليوم مظهر من مظاهر الضعف والعجز البشري وافتقاد الحول والقوة ودفع الضر عن نفسه، فقد جاءه ما قهر به الباري العباد وهو الموت والفناء، وهو أهم ملامح الضعف في الإنسان، فهل يكون الإله الخالق القوي عرضة لحلول المنية والتحول لجثة هامدة؟!

ولو اختفى جسد فرعون وكان طعاما للأسماك تنهش لحمه، لبرر ذلك من يحاول حرف الصورة الواضحة لهلاكه، بادعاء اختفائه وإدارته وتدبيره لشئون العباد والكون من خلف الكواليس، وسيظهر مجددا ليقود مسيرة الناس ويناهض موسى واتباعه المؤمنين.

لقد طفى جسد فرعون على مكان بارز يراه جميع الناس بحيث لا يشك أحدهم بهلاكه وموته وبطلان دعواه بالألوهية، فهذا مصير كل من تجبر وحكم الناس بالاستبداد والبطش والعدوان؛ ليكون عبرة للناس فينزجرون عن السير على منواله وطريق الباطل والضلال الذي سلكه، فقد جاءه موسى بالآيات البينات الدالة على صدق دعواه بالنبوة والرسالة، فمن يمتلك قليلا من الفهم والوعي وترك العناد والإصرار على الخطأ، فسيتحرك وجدانه إلى الإيمان بالله تعالى واليقين بتدبيره لشئون العباد، كيف وقد أيد الباري نبيه بالمعجزات الباهرات التي تفوق قدرة البشر وتخرق حاجز العادة والأسباب، ولكنه غلب هواه واستكبر وأبى الانصياع للحق الواضح، وأبرز يد العصيان والطغيان ومناوأة نبي الله ومحاربته بشتى السبل، وواجه أتباعه المؤمنين بشتى صنوف التنكيل والأذى والتشريد والتقتيل، فكانت عاقبة السوء نهاية من كذب بآيات الله تعالى.

فكان فرعون آية ومعتبرا للبشرية يرون مآل ومصير من اتخذ مسار الطغيان والكفر، فمهما بلغ شأن الظالم من قوة واقتدار وسعة سلطان، فإن كبرياءه وطغيانه سينسف في لحظة لا يسبقها إنذار.

ومع كثرة الآيات الإلهية المبصرة لعقول الناس ومفطنتهم لمسير الحق والهداية والاستقامة، إلا أن كثيرا من الناس قد غلبتهم الغفلة وغرتهم الدنيا فأعمتهم عن الهدى والرشاد، وسقطوا في فتنة من سبقهم مع كثرة المواعظ الناصحة والمحذرة لهم من الوقوع في سيئات الأمم الماضية، أفلا يتدبر الإنسان ويعتبر من مصير من سبقه ممن مارسوا شتى ألوان الضلال والفساد، فما بكت عليهم الأرض والسماء حين رحلوا من الدنيا؛ ليواجهوا سوء المنقلب.