آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

موجز عن تاريخ القضاء الشيعي في السعودية

حسن المصطفى * العربية.نت

منذ إعلان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود إنشاء الدولة السعودية الثالثة، العام 1932، كان المواطنون المسلمون الشيعة يرجعون في أحكامهم القضائية لرجال دين يحكمون وفق المذهب الشيعي ”الاثنا عشري“، بمنطقة الأحساء ومدينة القطيف، شرق المملكة.

العمل بالقضاء الجعفري، كان سابقا لقيام الدولة السعودية، في مناطق وجود أتباع المذهب الإمامي، منذ أيام حكم العثمانيين. وبعد دخول الأحساء والقطيف تحت إمرة الملك عبد العزيز، واصل رجال الدين الشيعة ممارسة عملهم في فض النزاعات بين الناس، وحل القضايا التي تتعلق بالأوقاف وتسجيل الأراضي، وأيضا موضوعات الزواج والأحوال الشخصية.

القضاء في القطيف

كان الشيخ علي أبو عبد الكريم الخنيزي قاضياً في مدينة القطيف منذ العام 1905، واستمر في منصبه حتى وفاته 1943.

السلطات الرسمية الجديدة في القطيف، أقرت الخنيزي قاضيا. ويشير الباحث عبد العلي آل سيف، إلى أن ”تتبع الصكوك وبالذات في الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الرابع عشر «الهجري» نقرأ اسم الحجة الخنيزي يتوّجها، وهي باسم محكمة القطيف، وفي مواضيع مختلفة، وعليها طوابع مالية ومسجلة بسجلات المحكمة أو كتابة العدل. ويدلنا هذا على أن القضاء الشرعي كان مقبولا لدى الدولة، حيث سجل في سجلاتها وعلى مطبوعاتها، ولدى المواطنين مهما تباينت توجهاتهم المذهبية“.

بعد وفاة الشيخ علي أبو عبد الكريم، تولى منصب القضاء الشيخ علي أبو الحسن الخنيزي، حتى العام 1944. وأتى من بعده الشيخ محمد علي الخنيزي، ومن ثم الشيخ علي الجشي.

القضاء في هذه الحقبة تميز بكونه ”كان قضاء عاما للسنة والشيعة. وكانت الصكوك التي تصدر صكوكا باسم الحكومة، وتسجل في سجلات المحكمة وكتابة العدل. ولم يكن هناك رفض لهذه الصكوك في جميع ما تصدره المحاكم عادة، ما عدا الحدود والتعزيرات، التي يتولاها قاضي القطيف المعين من الدولة، ويدخل في سلم القضاة، ويتمتع بامتيازاتهم“. كما يبين الأستاذ عبد علي آل سيف، في بحثه ”قرن من تاريخ القضاء في القطيف“. مضيفا ”لم يكن للقضاء الشيعي مقر أو مجلس رسمي، بل يتولونه «القضاة» في بيوتهم وفي أي محل يحتاج فيه الخصوم إلى نظر قاض ستجده يباشر عمله. وما يحتاج من مهام إلى توثيق وتسجيل يأخذ إلى المحكمة أو كتابة العدل لتسجيله“.

أما أهم أعمال القضاة في هذه المرحلة ”أنهم حفظوا عقارات أهل القطيف من الضياع، بإصدار حجج استحكام لكل من تقدم طالبا حجة استحكام على عقار آل إليه. وكانت الحجج نافذة، ولم يكن في هذه المرحلة تدخل لجهات حكومية في هذه الحجج كما سيأتي في مرحلة لاحقة“، بحسب آل سيف.

الشيخ محمد صالح المبارك، تولى منصب القضاء بعد موت آية الله الجشي، ومن ثم أصبح الشيخ عبد الحميد الخطي قاضيا، حتى وفاته العام 2001، ليخلفه أخوه الشيخ عبد الله الخنيزي.

تمزيت فترة العلامة الخطي بالسعي لتطوير عمل ”محكمة الأوقاف والمواريث“، وتعديل اللوائح النظامية، وحمايتها من تدخل بعض ”المتشددين“ في سير عملها. ولذا كان الخطي - وبعض القضاة قبله - بمعية عدد من وجهاء الشيعة في القطيف، يرسلون خطاباتهم إلى ملوك السعودية، والأمراء والوزراء المعنيين، ويتواصلون معهم، ويزورونهم في مجالسهم، من أجل حل أي مشكلة تعيق عمل القضاء أو تسبب ضررا للناس. مستندين في ذلك على المرجعية التاريخية لعقد وعلاقة الثقة بين المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، وكبار علماء الدين في القطيف، حيث كفل لهم المؤسس حق ممارسة الشعائر والتعبد وفق أحكام الفقه الجعفري.

انتهاء الزعامة

بوفاة الشيخ الخطي، انتهى الربط بين منصب القضاء و”زعامة الطائفة الشيعية“ في القطيف. حيث كان هنالك سابقا ما يشبه العرف، أن القاضي هو رأس هرم الطائفة دينيا في المجتمع المحلي. إلا أنه رغم ما يتمتع به أخوه الشيخ عبد الله من علاقات واسعة رسميا وشعبيا، وقوة شخصية، إلا أنه نافسه على الزعامة شخصيات دينية من خارج منصب القضاء.

الشيخ الخنيزي، غادر القضاء العام 2005، لتجاوزه السن القانونية، لتبدأ بعده مرحلة جديدة، كان عدم استقرار القضاة ميزة لها. حيث توالت على المنصب شخصيات هي: الشيخ غالب آل حماد، والشيخ سليمان أبو المكارم، والشيخ محمد العبيدان، والشيخ سعيد المدلوح، والشيح محمد الجيراني. كما تم تحويل الجهاز القضائي من ”محكمة“ إلى ”دائرة“، ليصبح اسمها ”دائرة الأوقاف والمواريث“.

إنشاء هيئة التدقيق

التغيرات الإدارية التي طرأت على القضاء الشيعي، واللوائح الجديدة التي أقرها حينها وزير العدل السعودي د. عبد الله آل الشيخ، العام 2006، كان من ضمنها إنشاء ”هيئة التدقيق“، وهي بمثابة ”هيئة تمييز“ للأحكام، تكون مرجعا للفصل في الأحكام الصادرة من دائرتي الأوقاف والمواريث في القطيف والأحساء.

وتضم هيئة التمييز حاليا القضاة: الشيخ عبد الرسول البيابي «رئيسا»، الشيخ علي المحسن، الشيخ غالب آل حماد. وبعيد اختطاف القاضي محمد الجيراني من قبل مجموعة من الإرهابيين، وقتله لاحقا، تم تكليف الشيخ الحماد بإدارة ”دائرة الأوقاف والمواريث“، حتى وقتنا الحاضر.

أما المهام الموكلة للقضاة فتتعلق بالفصل في قضايا الأوقاف والمواريث، والزواج والطلاق، والأحوال الشخصية.

القضاء في الأحساء

يشير الباحث محمد علي الحرز، في دراسته ”القضاء الجعفري في الأحساء“ إلى أنه مع انضواء الأحساء تحت حكم الملك عبد العزيز آل سعود، ”دخل القضاء الشيعي تحت العباءة الرسمية، وأصبح القاضي يعين من قبل الدولة، بعد أن يتم اختياره من الشعب وتتم الموافقة عليه“. وكان من أبرز القضاة السيد حسين العلي، ومن بعده نجله السيد محمد العلي.

هذه الحقبة برأي الحرز، تبعتها مرحلة جديدة، صار فيها القضاء أكثر تنظيما، تبدأ منذ تولي الشيخ باقر أبو خمسين، الذي استمر في منصبه حوالي ربع قرن، عمل فيها على تطوير عمل المحكمة الجعفرية، وطالب بتعيين مقر رسمي لها، وتعيين مساعدين للقاضي، وإنشاء فروع في المبرز والقرى الشيعية البعيدة. حيث كان المقر الرسمي في مدينة الهفوف.

بعد أبو خمسين، تولى المهمة الشيخ محمد الهاجري، والذي تعاقب بعده على المنصب عدة قضاة، منهم الشيح محمد اللويم الذي أعفي من منصبه.. إلى أن تم تحويل ”المحكمة“ إلى ”دائرة“ يتولى رئاستها حاليا السيد علي السيد طاهر السلمان، وهو أستاذ في الحوزة العلمية في الأحساء، بعد أن درس الفقه والعقائد لنحو ربع قرن في حوزتي النجف وقم، قبل أن يعود إلى السعودية، ويتولى منصبه في يناير 2017، بقرار أصدره وزير العدل الدكتور وليد الصمعاني.

الضغوطات والترهيب

كان القضاة في مراحل مختلفة يتعرضون لضغوطات اجتماعية، من أصحاب النفوذ الاقتصادي والاقطاعيين، في قضايا تتعلق ب ”الأراضي“ و”الأوقاف“. هذا النوع من الضغوط سببها الأحكام القضائية التي لا تعجب البعض. يضاف لذلك ما يواجهه القاضي من تعقيدات إدارية، تتعلق بالصلاحيات التي يتم تقليصها عبر الزمن، بحسب ما يتم تغييره من أنظمة، أو ما يمارس من تدخلات من أطراف خارج المحكمة.

بُعيد تولي الشيخ عبد الحميد الخطي، وتشكل بدايات الإسلام السياسي الشيعي في هياكله المنظمة. بات القاضي يتعرض لضغوط سياسية أيضا، وتوجه له من قبل البعض تهم ”العمالة للأجهزة الرسمية“، بسبب ما يعتبرونه مواقف ”غير مبدئية“ تعمل على إضعاف الطائفة. فالخطي لم يكن شخصية معارضة أو حزبية، ولم ينطوي تحت تيار سياسي معين.

كان الشيخ الخطي رغم هذه الضغوط السياسية والمشكلات الإدارية والاجتماعية، يحاول إدارة القضاء بصبر وحكمة، مبعدا إياه عن التسييس، ومبقيا للمنصب استقلاليته الخاصة، ومتواصلا مع أعلى الهرم السياسي في المملكة، حيث كان ينظر له باحترام وتقدير خاص، لمعرفتهم بمواقفه الوطنية، وهو الذي امتاز بالصراحة في الحديث مع المسؤولين في مجالسهم الخاصة، بعيدا عن الإثارة والدعائية المجانية.

الشيخ محمد الجيراني، الذي كان في بدايات شبابه مؤمناً صلباً بأفكار ”خط الإمام“ وآية الله الخميني، قبل أن يغير نهجه السياسي لاحقا، ويتسنم منصب القضاء، الجيراني الذي تعرض لضغوط جسدية لم تطل قاضيا قبله. فقد تم استهداف منزله أكثر من مرة، ومن ثم اختطف العام 2016، وتم تصفيته جسديا من قبل مجموعة من المتشددين الشيعة، كما أعلنت وزارة الداخلية السعودية العثور على جثمانه متحللا، في 25 ديسمبر 2017.

هذا التحول في نوعية الضغوط على منصب ”القاضي“، جاء نتيجة الظروف الأمنية والسياسية التي عاشتها القطيف بعيد أحداث الربيع العربي 2011، وحمل مجموعات إجرامية للسلاح، وممارستها الإرهاب تجاه من يخالفها في الأفكار.

ما بعد الجيراني

الفراغ الإداري الذي شكله موت الجيراني، لا بد أن يتم ملؤه بشخصية علمية قوية، ذات حضور اجتماعي، ووعي ثقافي، وانفتاح فكري يتناسب التغيرات التي تمر بها المملكة، والتحول نحو مجتمع حديث مدني.

بقاء المنصب شاغرا لفترة طويلة، من شأنه أن يضعف كيان القضاء الجعفري، ويصب في صالح التيار المتشدد، الذي يسعى لتقويض أي حضور لعلماء دين خارج خياراته السياسية.

محافظة القطيف، وإمارة المنطقة الشرقية، بالتعاون مع الوجهاء والأهالي، يمكنهم القيام بمهمة ترشيح شخصية علمية تنال ثقة المجتمع، ترفع بشأنها توصية لوزارة العدل، والتي تأخذ القرار النهائي، بصفتها الجهة المخولة بذلك.

بورصة الأسماء

أسماء عديدة تحضر كمرشحة لمنصب قاضي ”دائرة الأوقاف والمواريث“ في القطيف. ويمكن حصر أبرزها في التالي:

1. آية الله السيد منير الخباز. أبرز الفقهاء الشيعة في الخليج. وقد سبق ترشيحه أكثر من مرة لتولي هذا منصب القضاء، إلا أنه اعتذر. ولا يستبعد أن يعتذر مجددا. فأتباعه يعتبرونه مرشحا الآن لما هو أكبر من منصب ”القضاء“، وهو ”المرجعية“.

2. الشيخ محسن المعلم. عالم دين، يحظى بالاحترام. قام بتدريس عدد كبير من طلبة الحوزة العلمية. إلا أنه من المستبعد أن يتقلد المنصب، كونه ينتمي للتيار الكلاسيكي، ويفضل الاقتصار على التدريس والمهام التقليدية لرجل الدين.

3. الشيخ حلمي السنان. يمتلك فضيلة علمية، وتمكنا في كلاسيكيات العلم الشرعي. إلا أنه ليست لديه شبكة علاقات اجتماعية واسعة، وتقليدي في تفكيره ومنهجه الفقهي.

4. الشيخ عباس العنكي. يدير حوزة ”الإمام الهادي“. يقول طلابه إنه بلغ مرتبة الاجتهاد، ويحظى بلقب ”آية الله“. لديه القدرة على تولي منصب ”القضاء“. إلا أنه بحسب مقربين منه لا يريد تسلم المسؤولية، لانشغاله بإدارة الحوزة والتدريس.

5. الشيخ محمد العبيدان. قاضٍ سابق، وعالم دين شاب مثابر، يمتلك قاعدة شعبية بين أوساط الجيل الجديد.

6. الشيخ حسين المصطفى. كاتب وباحث في قضايا التراث، وصاحب مكانة علمية، له أفكار حديثه ومعاصرة في تطوير الخطاب الديني. وسبق أن عرض عليه المنصب من قبل، إلا أنه اعتذر عنه.

7. الشيخ فوزي آل سيف. أستاذ في الحوزة العلمية. ويشار إليه كأحد الأسماء صاحبة الخبرة العلمية. له شعبية بين الجمهور العام، كونه أحد أبرز خطباء المنبر الحسيني.

8. الشيخ حسين البيات. لديه خبرة إدارية جيدة، حيث عمل لسنوات في شركة الكهرباء السعودية ”سكيكو“. كما يتمتع باطلاع فقهي واسع، وهو أستاذ مختص في الأمور الشرعية، ولديه علاقات واسعة مع المثقفين، ومؤمن بتعددية الآراء.

مما سبق يمكن القول إن العبيدان، والمصطفى، وآل سيف، والبيات، هم الأوفر حظاً لتولي منصب ”القضاء“، لما يمتلكونه من احترام في الأوساط الشعبية والرسمية، وما لديهم من علم فقهي، يصل لمرحلة ”الاجتهاد الجزئي“، إن لم يكن الكلي، والقدرة على الاستنباط. كما يتمتعون بوعي ثقافي، واطلاع على الفكر الحديث، وتواصل مع الجيل الجديد، ومرونة في الخطاب الديني، وقدرتهم على الانسجام ضمن رؤية المملكة 2030، والتي تهدف إلى ترسيخ قيم المواطنة وسيادة القانون.

إن تولي شخصية علمية بهذه المواصفات لكرسي القضاء، من شأنها أن تعيد للمنصب هيبته، التي انتهكها المتشددون الشيعة وسعوا لتحطيمها.

 
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
ليلى السادة
[ القطيف ]: 26 / 12 / 2017م - 3:24 م
دكة القضاة ليست منصب انما هي تكليف مرجعية و ترشيح من التقي الى تقي و يكون القاضي على علم و دراية ..
و لا يقبل ان يضع ا.حسن المصطفى نفسه مكان من يراه اهل للقضاء و لا يصلح ان يرشح .لانه ليس من شأنه . القضاء لا يتربع عليه الا تقي او شقي.
2
سامي الدبيسي
[ تاروت القطيف ]: 26 / 12 / 2017م - 3:56 م
كاتب جميل واسلوب ممتع ومضمون مفيد