آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

غنى النفس منهج الزهراء (ع)

حياة الزهراء على قصر أمدها إلا أن الله تعالى جعلها ملأى بالمضامين العالية والدروس والعبر؛ ليتخذها المؤمنون مثلا أعلى يحتذون به ويسيرون على نهجه في جميع ميادين حياتهم، ولذا فهي من الألطاف الإلهية وقبس نور يهتدي به السالكون.

وتقدم الحوراء الإنسية نموذجا رائعا لكيفية التعامل مع شظف العيش وضيق اليد دون أن يكون ذلك مانعا من حياة مستقرة وهانئة، فمن مثل الزهراء يقاسي مرارة الحياة وصعوباتها، ولا تقابل ذلك إلا بالصبر والرضا بالعيش البسيط الخالي من أوجه الرفاهية الزائدة، فكثير من المشاكل الفردية والأسرية يشكل العامل الاقتصادي سببا لها، وذلك أن المرء يعيش حياة التبرم والتضجر والتشكي بسبب قلة العائد المالي وصعوبة تأمين مستلزمات الحياة الكريمة، ولا يعلم أن هذا الوضع البائس والندب الدائم لحظه ووسمه بالتعيس لن يغير من الواقع شيئا، كما أنه يستنزف قوته النفسية ويحيله إلى الكآبة والتشاؤم الأسود، ويغدو متعاجزا أمام البحث عن أبواب رزقه من روافدها الشرعية، ولن يجعله هانئا مع صعوبة العيش المادي سوى القناعة والرضا باليسير مما يحصل عليه، نعم هو غنى النفس عن التطلع بعين الطمع أو التشكي وإظهار الذلة أمام الناس، وله قدوة حسنة بمعيشة الزهراء في بيت أمير المؤمنين، فمع قلة ذات اليد لم تكن لتثقل بشيء عليه، وترضى بما يقدمه لها في مسكن بسيط أسس على ذكر الله والتقوى، ولكنها صنعت السعادة وراحة البال لأسرتها، فما كانت تظهر إلا الرضا والقناعة والصبر على بلاء الله عز وجل، بل وكان هذا البيت الخالد في القرآن الكريم بمآثره في العطاء بأعلى مستوياته ألا وهو الإيثار، ففي آية الإطعام في سورة الإنسان إشادة وإشارة لتلك النفوس الطاهرة والمعطاءة في بيت الزهراء ، فكان بذلهم للمسكين واليتيم والأسير بأعلى الدرجات، وهو الإيثار ببذل طعامهم، إنما هو اليقين بما عند الله عز وجل وذهاب الخوف من الفقد والحاجة، فكلهم ثقة بالله تعالى أنه لا يضيع عبده، كيف وقد تكفل برزقه الخالق؟!

ألسنا بحاجة في الزمن الصعب المائج بالمشكلات الاقتصادية إلى نهج الزهراء في التعامل مع صعوبات المعيشة، فالصبر على قلة الموارد والقناعة بما يتحصل عليه من الرزق الحلال، هذا ما يحفظ للأسرة استقرارها بعيدا عن منغصات المشاحنات والخلافات بسبب الوضع المادي، وعدم القدرة على توفير مستلزمات الأسرية بسبب محدودية الراتب أو المدخول، إذ يكون باعثا للخلاف والتراشق بالكلمات المسيئة والجارحة، وخصوصا إذا اقترن بأسلوب المقارنة مع أحد الأقارب والأصدقاء ممن يتمتعون بمستوى عال من الدخل وينعمون بحياة الرفاهية، فتشتعل نار الكراهية ويسود التوتر بسبب ذلك.

لم يكن شظف العيش بالذي يحجب الزهراء عن الهدف الأسمى من الحياة الدنيوية، فقد لازمت محراب العبادة والوقوف بين يدي الله تعالى، فلهج لسانها بذكر الله وتلاوة القرآن الكريم وأضاءت بيتها الأسري بالمحبة وتوفير سبل التفرغ والانقطاع لله عز وجل، وتقدم لهم من الطعام ما يتوفر تحت يديها، وقد صبرت وتحملت مسئولية بيتها دون أن تفارق الابتسامة محياها عند لقياها لأبيها وبعلها وأبنائها الأطهار؛ لتضفي طابع الهدوء والطمأنينة.

إلى أبنائنا وبناتنا وأنتم في بداية حياتكم الزوجية، اجعلوا من سيرة الزهراء الأسرية منهجا تسيرون عليه وتستلهمون منه أفكار الحياة الزوجية السعيدة، فالصعوبات المالية ليست بعائق أبدا عن حياة مستقرة وهانئة مهما كانت الظروف، فالنفوس النقية تصنع السعادة في أحلك الأوضاع، ولا تستدرج إلى الحوارات الانفعالية ولغة التبرم والتجريح.