آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

ثقافة الصراحة

محمد أحمد التاروتي *

الصراحة مؤلمة في احيانا كثيرة، بيد انها ضرورية لكشف الاوراق، واللعب على المكشوف، دون مواربة، لاسيما وان البعض يفضل اخفاء الحقائق، في سبيل ارضاء بعض الاطراف، او الخشية على شعور البعض الاخر، الامر الذي يدفعه لاستخدام المجاملة، في المعاملات اليومية، خصوصا وان الحقائق تكون صادمة، وتتجاوز القدرة على التحمل، مما ينعكس على قطع العلاقات الاجتماعية، او حصول بعض الجفاء والخصام.

المصارحة بمثابة العلاج الناجع، والضروري، لبعض الشرائح الاجتماعية، فالوجع المؤقت خير، من الكذب والخداع الدائم، بمعنى اخر، فان الجلوس على طاولة الحقيقية، افضل من الهروب الدائم، فمهما حاول المرء التهرب من الحقيقة، فانه سيصطدم بها في يوم من الأيام، وبالتالي فان الجهر بالحقيقة الصادمة، لا يعني استبطان العداء، ووجود نوايا خبيثة، ”صديقك من صدقك لا من صدقك“، بكلمة اخرى، فان الصديق الصادق بمثابة مرآة، لكشف عيوب أخيه، بينما الشخص الذي يخفي العيوب، ليس صديقا على الاطلاق، فتشخيص المرض مقدمة ضرورية، للبحث عن العلاج، والقضاء عليه نهائيا.

التعامل بالصراحة فضيلة اخلاقية، ليست محببة لشريحة اجتماعية، فهذه الشريحة تفضل الكلام المعسول، والمكذوب على الحقيقة، الامر الذي يدفعها لعدم التقرب، من اصحاب الاّراء الصريحة، سواء في العلاقات الشخصية، او العلاقات الاجتماعية، ”ما ترك لي الحق من صاحب“، بمعنى اخر، فان اصحاب العيوب، والمصالح الشخصية، لا تجد غياتها لدى حملة الرأي الصريح، نظرا لعدم القدرة على تمرير الكذب، او الخداع، الامر الذي ينعكس على محدودة العلاقات الشخصية في المجتمع، فالصدق مبدأ اخلاقي يصعب تحمله، لدي بعض الشرائح الاجتماعية النفعية.

ثقافة الصراحة، تتخذ أشكالا متعددة، تبعا لمدى استقبال، وقدرة الطرف الاخر على التقبل، فالبعض يحتاج الى التدرج في الإفصاح عن العيوب، من خلال وضع مراحل متعددة، نظرا لغياب الارضيّة اللازمة لقبول الحقيقة، مما يستدعي اختيار الطرق المختلفة لايصال المعلومة، اذ يمكن ان تكون بأسلوب قصصي، واستخلاص العبر والدروس منها، ”إياك اعني واسمعي يا جارة“، لاسيما وان هذه الطريقة تعطي ثمارها، وتحدث تغييرا كبيرا، لدى الطرف الاخر، الامر الذي يقود لاقتلاع العيوب من السلوك الاخلاقي، او تصحيح المسار الثقافي الخاطئ.

بينما يمارس البعض اسلوبا مغايرا، في سبيل تصحيح الأخطاء، لدى الطرف الاخر، حيث يتخذ طريقة الخطاب غير المباشر، خصوصا وان الخطاب المباشر يقود الى نتائج عكسية، نظرا لعدم الاعتراف بوجود تلك الأخطاء، او الممارسات الاخلاقية الخاطئة، الامر الذي يفرض انتهاج اُسلوب ”ما لي ارى أقواما“، باعتباره الوسيلة الفضلى في الانتقاد، والقضاء على الممارسات المغلوطة، بخلاف الكلام الواضح الذي يترك اثرا عميقا في نفوس البعض، مما يدفعه للحقد ومحاولة الانتقام، وبالتالي الانغماس في الخطأ، عوضا من تشجيعه على تركه، وسلك طريق الصلاح والفضيلة.

تمثل الصراحة بمختلف طرقها وسيلة، لإزالة الضبابية عن العلاقات الشخصية، والاجتماعية، خصوصا وان التغاضي، وعدم المواجهة، يحسبه البعض ضعفا او اسلوبا صحيحا، مما يستدعي التدخل لتصحيح المسار، واعادة الأمور للمسار الصائب.

كاتب صحفي