آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

”الأوامر الملكية“.. مصل الوقاية من الركود التضخمي

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الالكترونية

​كما سبقت الإشارة هنا قبل أيام، فإن الرهان هو تحقيق مستوى إيجابي من النمو الاقتصادي يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة بمقدار أعلى مما قد يقضمه التضخم من دخل المستهلكين. بمعنى، لو كان دخل شخص 4000 ريال شهرياً، وارتفع التضخم بمعدل 5 بالمائة في حين ارتفع دخل ذلك الشخص بمعدل 7 بالمائة، فيكون الهدف في الحفاظ على مستوى المعيشة قد تحقق إلى حدٍ بعيد، والعكس بالعكس.

ومع الإقرار أن تحديد مقدار الدعم والضرائب هو شأن سيادي للحكومة - كما هو الأمر في سائر البلدان - إلا أن تزامن العديد من عوامل لرفع الأسعار بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة يؤدي - بطبيعة الحال - إلى رفع تكلفة المعيشة، وبالتالي لزيادة الضغوط التضخمية، ومن ثمة رفع مؤشر الأسعار، في توجه معاكس لما كان عليه الحال في العام 2017، عندما شهد مؤشر الأسعار هبوطاً للمنطقة السالبة لعشرة أشهر.

لكن ثمة فرق جوهري بين العامين؛ فالعام الماضي «2017» كان عام ركود، حيث انكمش بنحو 0,5 بالمائة، بالأسعار الثابتة. أما العام 2018، وعلى النقيض من العام الذي سبقه، فإن التوقعات الحكومية تقول أن الاقتصاد سيشهد نمواً - بالأسعار الثابتة - في حدود 2,7 بالمائة في العام 2018. وهذا يعني أنه يتوجب أن يتغلب النمو على التضخم بنتيجة صافية قدرها 2,7%، أي أن يتحسن مستوى الدخل بما معدله 2,7%.

​وكان مهماً أن تتحرك عجلة الانفاق دون إبطاء لتسبق ”التضخم“ إلى الأسواق. وهكذا، يمكن القول أن تأثير ”الأوامر الملكية“ إبقاء المبادرة الاقتصادية بيد سياسات النمو. وسأبين:

1. أثر ارتفاع أسعار الطاقة واستحدث ضريبة قيمة مضافة تضخمي، إذ أخذت أسعار السلع والخدمات ترتفع مباشرة.

2. من جهة أخرى، أثرت التكاليف المتصاعدة وعدم وجود في الأفق القريب تحسناً متزامناً في الدخل على معنويات المستهلك فأخذ يحجم عن الانفاق، لاسيما أنه مر بتجربة صعبة في العام الماضي 2017، تجسدت في تراجع الطلب الكلي وركود الأسواق اجمالاً.

3. أنه في حال استمرار ذلك: ارتفاع الأسعار من جهة وعزوف المستهلك عن الانفاق من جهة أخرى، فكان من شان ذلك أن يضع الاقتصاد السعودي وجهاً لوجه أمام ”ركود تضخمي“.

4. أن العلاج أتى ”إسعافياً“، عبر فتح قنوات ضخ نقدي ضخمة للأسواق، تؤدي لإنعاش معنويات المستهلك بدفعه للإنفاق، وبالتالي زيادة الطلب، مما يحرك الأسواق وينعشها، ويؤدي لنمو الاقتصاد المحلي.

5. وفي المدى القريب «أي خلال الأشهر الثلاثة القادمة» تتجسد المبادرات الاقتصادية الحكومية التي سيعلن عن تفاصيلها في برامج ”رؤية المملكة 2030“ التسعة المتبقية، وهي برامج تنويع اقتصادي بامتياز.

وتجدر الإشارة إلى أن تأثير ”الأوامر الملكية“ مباشر ويدعم جيب المواطن مباشرةً، مما يعني ارتفاع الانفاق الخاص «استهلاك الأسر» ليصل للأسواق بسرعة وبوتيرة شهرية مع صرف كل معاش. وكذلك سيصل الانفاق الأكبر للأسواق لاحقاً مما أعلن في ميزانية العام 2018، التي يصل إجمالي إنفاقها إلى 1,110 ترليون ريال، منها 338 مليار ريال إنفاق رأسمالي واستثماري.

وفي هذا السياق، وعلى صلة بتجاوز وتيرةُ النمو وتيرةَ التضخم، فليس خياراً بقاء مستوى الأجور في القطاع الخاص على ما هو عليه حالياً، بحيث تعمل الشريحة الأكبر من السعوديين بأجر 3000 ريال شهرياً، وليس إنصافاً أن يذهب جلّ هذا الانفاق ليحقق نمو اقتصادي وليولّد وظائفاً، ثم تنصرف المحصلة لاستقدام عمالة وافدة رغم أنالبطالة بين السعوديين 12,8 بالمائة، جلها بين الاناث، وجل الباحثات السعوديات عن عمل جامعيات! الخيار المُجدي أن تنتج الأموال نمواً نسوقه لزيادة الطلب على الموارد البشرية السعودية «ذكور واناث»، ليفتح فرصاً وظيفية جديدة، ويُحسن الأجور إجمالاً، ويولد فرصاً للمنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. فإذا كانت ”الأوامر الملكية“ مصلاً لوقاية الأسواق من شبح الركود التضخمي، فما مبادرة القطاع الخاص؟!

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى