آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 5:01 م

ثقافة الاختيار

محمد أحمد التاروتي *

يمتلك الانسان القدرة على الاختيار، فيما يتعلق بطريقة اختيار عقيدته الدينية، ومذهبه الفكري، فضلا عن حرية الاختيار في طريقة العيش، نظرا لامتلاكه العقل الذي يؤهله، لتحديد الطريق الخاصة، بمسيرته العقدية او الفكرية او الاقتصادية، مما يحمله مسؤولية الاختيار، بعيدا عن الضغوط، التي تمارس عليه، بمعنى اخر، فان المبررات التي يسوقها البعض، لانتهاج بعض المعتقدات الدينية، او المذاهب الفكرية، ليست مقبولة، لاسيما فيما يتعلق بوجود ضغوط اجتماعية شديدة، دفعت لتقديم التنازلات، او اعتناق تلك الأفكار الشاذة، ﴿لا اكراه في الدين، ﴿قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا.

الاختيار يحمل في طياته الكثير من التبعات، فالمرحلة الاولى تتمثل في محاولة دراسات، جميع الخيارات المطروحة، في الساحة الاجتماعية، بغرض استخلاص الخيار الأفضل، دون النظر لقناعات الآباء والاجداد، خصوصا وان عملية الاعتناق من الضغوط الاجتماعية، تكون صعبة في البداية، نظرا للتداعيات المترتبة على الخصام، مع المعتقدات الاجتماعية السائدة، ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ، بمعنى اخر، فان الاختيار ينطوي عليه مخاطر كبيرة، ومنها المقاطعة الشاملة، والتشكيك في القدرات العقلية، وغيرها من التداعيات المختلفة.

التمسك بالاختيار، يمثل احد التحديات التي تواجه المرء، اثناء المواجهة الاجتماعية او الفكرية، فالبعض يمتلك القدرة على الصمود، في وجه التيارات العاتية، على خلفية الاختيار المغاير للعقيدة الاجتماعية، الامر يدفعه لتحمل مختلف انواع الاذى والتنكيل، بينما لا يجد البعض سبيلا للوقوف، في وجه الضغوط الاجتماعية القوية، مما يجعله يفضّل المداهنة، وإظهار المرونة، في مواجهة التيار الاجتماعي الضاغط، سواء نتيجة الخشية من التصفية الجسدية، او كنوع من التكتيك السياسي.

عملية الاختيار الصائب، مرتبطة بامتلاك الارادة الصلبة المواجهة الضغوط على اختلافها، خصوصا وان التيارات الضاغطة، سواء الدينية او الفكرية او الاقتصادية، تتحرك وفق رؤية ثابتة، تتمثل في رسم خطوط حمراء للمجتمع، بحيث تمارس مختلف انواع الحروب، تجاه العناصر الراغبة في تجاوز، تلك الخطوط المرسومة، مما يتمثل في محاولة القضاء على تلك العناصر، والأفكار التي تحملها في المهد، وقبل استفحالها، لاسيما وان وجودها في المجتمع، يشكل تهديدا كبيرا، على المنظومة العقدية والفكرية، الامر الذي يحدق نوعا من الانقسام الاجتماعي جراء وجود شريحة تبشر بالافكار المضادة، والمناقضة العقيدة الدينية، والفكرية السائدة.

بالاضافة لذلك، فان القناعة التامة بصوابية الاختيار، يمثل محركا أساسيا في السير حتى النهاية، في تحمل تبعات الخط المرسوم، لاسيما وان الطرف المقابل يحاول بشتى السبل وضع العراقيل، لكبح جماح العقيدة الفكرية الجديدة، حيث يحاول استخدام الوسائل العديدة، لنسف تلك العقيدة، مما يحدث تزلزل فكري، لدى حملة تلك العقيدة الفكرية المنافسة، اذ تستخدم في هذا المسعى مختلف الوسائل، فمرة بالضغوط العائلية ومحاولة التأثير، على نقاط الضعف المؤثرة على الطرف الاخر، وتارة باستخدام ”السيف“ او التلويح بالتصفية الجسدية، وثالثة بواسطة استخدام المنابر الدينية، بغرض رفع الغطاء العائلي، والديني والاجتماعي، وبالتالي، احداث فجوة كبرى بين العقيدة الفكرية والمجتمع، ﴿وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا، ﴿يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ ۖ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ.

كاتب صحفي