آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

إلى بعضي وكُلِّي

الصغير العزيز

إن سنحت لنا الفرصة بالصحبة ودقائقَ اللقاء فهذا شيء جيد، وإن كنتَ صغيراً أو لم ألتقِ بك فسنتعارفُ من خلال هذه السطور التي تقرأها بعدما تكبر. سأناديك أو أناديكِ بصديقي وصديقتي في هذه الرسالة لتكونَ اللغة بيننا أكثر حداثةً ولو أن فارق العمر لا يسمح. اقتبست عنوان كتابتي لك من وصية الإمام علي لابنه الإمامِ الحسن عليهما السلام " وجدتك بعضي بل وجدتك كلّي، حتّى كأنَّ شيئاً لو أصابك أصابني، وحتّى كأنَّ الموت لو أتاك أتاني”.

صديقي... صديقتي، أعلمك بأنني أحبك وأهتم بأمرك لأنك تبقى من بعدي فبكَ أحيا بعد موتي وبك أموت في حياتي. سيعرف الناس من بعدي بأنك إبني وأنا أحب أن يذكرني الناس بخيرٍ فكن أنت الخيرَ الذي أرجوه.

أخبرك بأنني أحب واهتم بأمر أمك وأبيك فأملي بك أن تهتم بِهما وتَرعاهما، أنهما يُبادلانكَ نفس المشاعر وأكثر. قد لا يوفران لك كل ما ترغب في الحصول عليه لأنهما يعلمان أنه ليس من مصلحتك الحصول على كل ما تريد ولهما الحريةُ في منعك من الحصول على بعض الأشياء.

نبدأ حياتنا بشيئين؟ شهادة ميلاد من المستشفى وكيسٌ فيه رأس مال نصرف منه ولكن لا نستطيع أن نودع فيه. ما في هذا الكيس هو المهم فانتبه له وحافظ عليه جيداً. إنه العمر! وبلغة ”الربح والخسارة“ كلنا يحتاج إلى استشاري استثمار، وحتى تستثمر رأس مالك جيداً تحتاج إلى ثلاثة مرشدين هم دينك وعقلك وأصدقائك. لك الخيار أن تستثمره جيداً وتربح أو تصرفه في تافه الأحوال وهنا الخسارة لا تعوض.  سيأتيك المالُ فيما بعد، عليك السعي للحصول عليه وليس هناك حدود لما قد يصل إليك.

كنت أختار أصدقائي من المدرسة والتقي بهم وأخرج معهم ونلعب وأختبرهم في الرحلات والسفر فإذا لم يعجبوني ولم يحوزوا على ثقتي تركتهم، وكان أبي وأمي يعرفان أصدقائي ويعرفان أهلهم. أما أنت فقد يكون لك أصدقاء من نوعٍ آخر يدخلون عليك البيت في كل وقت ويجلسون وينامون معك وانت كلك ثقة بأنهم مخلصون وهم ليسوا جميعاً كذلك، نحن الكبار نسميهم أصدقاء ”افتراضيين“ إنهم ليسوا من لحمٍ ودم وهم أصدقاء ”التواصل الاجتماعي“. هنالك الكثير من الأصدقاء السيئين فخذ حذرك وانتبه جيداً وللإنصافِ بعضهم جيد وتستفيد منه فلا بأس أن تصاحبه.

إجمع أكبرَ عددٍ من الأصدقاء الجيدين. قرأتُ عن شخصٍ رأى في أحد المقابر قبوراً مكتوبٌ عليها أعمارهم، أحدهم 10 والثاني 150 والثالث 130 إنهم يكتبون عمر الشخص بعدد ما كان له من أصدقاء. يقول  الإمام علي : أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ …

أنا لم أختر ديني ولا مذهبي وأخذت ما أعطاني مجتمعي وأبي وأمي ولكن تأكدت بالإطلاع والتجربة والعقل أن ما أعطاني أبي وأمي هو الصحيح ولم أقلد في العنوان. اختلفتُ مع الكثير من الناس ولم أعاديهم أو أقاتلهم ليصبحوا كما أنا، لهم حرية الإختيار وعليهم مسؤولية وتبعة البحث عن معتقداتهم، تعارفت وتعاملت مع الناس على هذ الأساس. لا أدخل في كثير من النقاشات ولكن إذا سألني أحد عن معتقدي فلا بد أن يكون عندي جواب مُقنعٌ لي، وحبذا أن يكون للآخرين. أتمنى أن تكونَ كذلك ولست فقط نتاجَ غيرك.

في جسمك عقلٌ يفكر بطريقةٍ سليمة وتحتاج إلى جسمٍ يمكنك من الحركة والإنتاج فعليك المحافظة على جسمك في وقتٍ ازدادت المخاطر التي قد تكون مميته أو تحدث لك عاهةً مستديمة. كانت المخاطر عندي أقل فلم تكن الشوارع والأمكنة مزدحمة ولم تكن الناس تسافر وتختلط كثيراً مما قد ينقل الأمراض ولم تكن الحوادث المرورية بهذه الكثرة والبشاعة. تحتاج لتخفيف الضغط عن نفسك سواءً في الدراسة أو في العمل  فقليل من الرياضة والتسلية مطلوبٌ حتى تتمكن من شحنِ ما نقص من قواك.

كم تمنيت أن كانت أمي أو أبي يستطيع القراءة ليقرأ لي في الصغر حيث هناك الكثير من القصص والكتب التي كنت سأستفيد منها. أما أنت فبالتأكيد أن أمك وأباك يقرآن فاطلب منهما أن يشتريا لك الكتب وبعناية فكما هناك أكل غير مفيد بل قد يكون ضاراً للجسم، هناك فِكرٌ غير مفيد وضار. ستكتشف عندما تكبر أن هناك كتباً جميلة تقرأها وتفهمها. تلك الكتب أخذت من كاتبها عشرات السنين والجهد الكبير وأنت قد تقرأها في أيامٍ أو ساعات. حكِّم عقلك في الكثير مما تقرأ وسيكون عقلك دليلك فهناك الكثير مما كُتب ويُكتب هو أحد أسباب التخلف.

إذا أحببتَ أن تسافر لا بد لك من وثيقة سفر ”جواز“ فلا يهم إذا كنت مواطناً صالحاً أم لا، لن تسمح لك دولة بالخروج ولن تسمح لك دولة بالدخول. سوق العمل كذلك، لن تحصل على وظيفة بدون شهادة ولو كنت علاَّمة زمانك فزمان أرسطو وإفلاطون انتهى ولا بد من ورقة تثبت تعليمك لتحصل على عملٍ ما. لتحصل على فرصة أفضل في الحياة، ابتعد عن الزحمة، معظم الناس يرضون بالنجاح فقط أما أنت فاسعَ للنجاح بتميز.

لا تصدق كل من يقول لك أنك ستختار التخصص الذي تحبه والعمل اللي تحبه. ليس في الواقع أي من هذا فلو كان صحيحاً لاختار كل الناس أن يكونوا ملوكاً. قد يفرض عليك الواقع وقدراتك عملٌ ما، فما عليك إلا محاولة الإبداع فيه وإعطاءه كل جهدك. من الجيد أن تبدع في شيءٍ لا ينتبه له الآخرون من أقرانك في العمل وتكون شركتك بحاجة لك. تأكد أن ليس لابداعك حدود فقد تكون رئيس الشركة التي تعمل فيها إن تغيرت الظروفُ يوماً ما. كان زميلي في المكتب عام 1984م المهندس امين حسن الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو حالياً. وكان رئيس شركة شلمبرجر الحالي ”Paal Kipsgard“ يعمل كمهندس منتدبٍ من شركته عام 1996م في الظهران يقضي وقتاً طويلاً معي في المكتب ولم نعلم أنه يوماً ما سيرأس شركةً عالمية توظف ما يزيد عن مئة ألف مختصٍ وعامل في مجال الطاقة.

صديقي... صديقتي، أنا ممتنٌ لك لإعطائي شيأً من وقتك الثمين. كلي رجاء بأن ما كتبته لك لم يكن بلا فائدة وإذا عملت به فهذا يسرني وتأكد أنني سأبقى على تواصل معك وسوف تصلني أخبارك.

تحيات جِدّو

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
طاهرة آل سيف
[ صفوى ]: 17 / 1 / 2018م - 10:19 ص
هنيئاً لذاك الحفيد هذا الجد ، دمتم بخير .
مستشار أعلى هندسة بترول