آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

حركة الوعي

قال تعالى: ﴿و َيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴿الإنسان الآية 7.

إنه العرض الواضح للصورة الإيمانية المشرقة والجنبة السلوكية المتميزة بالورع والاستقامة، والتي تنضح وتبرز من شخصية المؤمن وترشد تصرفاته بعيدا عن العبثية والتهور اللا مسؤول، فسيرته بينة في ما تعتمد عليه من أسس الحكمة والنظر في عواقب الأمور والحسبان الدقيق لما تكون عليه نتائج خطواته وقراراته، وأهدافهم هو طلب الرضا الإلهي والانقياد لإرادته مما يورثهم النجاح والفوز المبين.

أي خوف ذلك الذي تملك قلوبهم وملأ وجدانهم بدفء الطمأنينة والثبات حتى في أحلك الظروف وأصعبها؟

تارة نتحدث عن الخوف السلبي المدمر لحياة الإنسان والسالب لكل مقومات راحة البال وهدوء النفس، وهو حالة الاضطراب والقلق الناشئة من جاهلية ما يخبئ المستقبل ويخفيه من أحداث عاصفة ومشاكل مؤرقة له، وذلك أن الإنسان حينما يركن للمعادلات المادية والأسباب الظاهرية لوقائع حياة الناس، ينتابه الخوف من العجز والمرض والفقر والوقوع في أزمات وصدمات اقتصادية وعاطفية وغيرها، وذلك لعلمه بأن سيرة البشر قائمة على تخلل الأحداث المريرة والمؤلمة لتشققات حياتهم، فإذا تملكه مثل هذا الخوف الشال لفكره وحركته، أحاله إلى مخلوق بائس ولا يركن إلى ثقة بأي سبب من أسباب القوة والمكنة التي يتمتع بها، فتعلوه الكآبة وانحباس السعادة والهناء مع كل ما يمتلك من قدرات وإمكانيات.

الخوف المقوم لحياة المؤمنين ومضة إيجابية تآزرت من وعي في عقولهم بحقيقة هذه الدنيا الفانية، والحياة الدائمة هي الحياة الأخروية، فالدنيا مضمار العمل المسئول والذي سيحاسب عليه يوم القيامة.

ولنتصور ذلك الطالب المجد الذي يأمل بمحالفة النجاح والتفوق، بالتأكيد ستكون المثابرة والمذاكرة منهجيته وطريقته في التعامل مع الدراسة، وسيتخطى الصعاب وأي عراقيل في كل المراحل ما دام متمسكا بهدفه وطموحه، ولن يألوا جهدا في تجنب كل المعيقات والصوارف والمشاغل، وهكذا طلاب الآخرة والفوز بنعيمها لا يتحركون وفق الأماني الكاذبة والحالمة، وإنما ينطلقون وفق معادلة العمل والجزاء بلا إفساح للعبثية وتضييع الأوقات والجهود.

هذا الخوف الإيجابي الذي يتملكهم هو شعور طبيعي لمن يتحفز نحو اعتلاء القمم، يحذرون من فوات الفرص والوقوع في الخطايا أو التقصير في إتيان الأعمال الصالحة، وإن وقعوا في خطأ يوما ما يبادرون نحو التوبة والرجوع إلى الله تعالى وإصلاح ما أفسدوه في لحظة غفلة أو غلبة شهوة.

ولو حذر العاقل من مخاطر مخالفة رئيسه في العمل وما ينتابه حينها من إنذار وخصم في الراتب وحرمان من بعض المزايا، فإنه سيعمل بكل جد على تجنب المخالفات والعمل على إتمام عمله بكل تفان وإخلاص، فما يكون حال من يحذر من مخالفة جبار الجبابرة وما أعده للمخالفين من عذاب أليم لا تطيق النفس لحظة عقاب منه، فكيف بنار سعرها لا تطفأ أبدا؟!

نعم، يوم كان جزاؤه المهين عميما لمن كذب بآيات الله تعالى وللمنافقين، وللعصاة ممن غلبتهم سيطرة الشهوة وخلدوا إلى أرض الشيطان والنزوات، ولم تنفع معهم لخلق حالة الوعي عندهم كل آيات الله عز وجل المبثوثة في الكون، فأعمتهم بصيرتهم عن رؤية الحق والهدى وطريق الصلاح.