آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 8:46 م

‏هل تُخيفنا التجاعيد؟

فاضل العماني * صحيفة الرياض

لا شك أن فطرة البشر، كل البشر، هي البحث دائماً عن الجمال والنضارة والشباب، والظهور بشكل جميل ويافع وحيوي يتصدر أولويات الإنسان، وليس صحيحاً أن النساء فقط، هن من يبحثن عن ذلك، ولكن الرجل أيضاً - خاصة في العصر الحديث - يهتم كثيراً بشكله ومظهره وأناقته.

ومنذ الأزل، كانت وما زالت التجاعيد، هي العدو الأول للإنسان، لا سيما الأنثى، ولم تُفلح كل محاولاته الحثيثة للقضاء على هذه ”التشوهات الطبيعية“ التي تُنذر بضعفه وعجزه وتقدمه بالعمر.

ولا تكاد توجد علة، بذل فيها البشر كل غالٍ ونفيس لمكافحتها والحد من انتشارها، كغزو التجاعيد لوجهه ورقبته. محاولات محمومة ومستمرة، بدأت باستخدام الأعشاب والزيوت الطبيعية، ثم الأدوية والمستحضرات الطبية، وصولاً إلى الجراحات والحقن التجميلية التي تحولت إلى ”تجارة كبرى“ تعكس حالة الهلع الشديد الذي أصاب الإنسان الحديث، لا سيما المرأة التي لا تُجيد الاعتراف بتقدمها بالعمر.

وعالم التجميل الآن، بلا سقف أو نهاية، بل هو مفتوح على كل الاتجاهات والاحتمالات والتجارب، كما تحول إلى ”ممارسة مجتمعية طبيعية“، لا تجلب العار أو الخوف.

الكولاجين والبوتكس والفيلر وغيرها من الوسائل والمستحضرات والصيحات المتعددة التي تُستخدم بكثافة ورواج لإخفاء التجاعيد، قد تُساعد على إعادة بعض الجمال والنضارة والحيوية للوجه، رغم كل التحذيرات الشديدة من خطورة الآثار الجانبية، ولكنها مستحضرات طبية تُستخدم فقط لمعالجة الشكل، والوجه على وجه الخصوص، فماذا عن تلك التجاعيد/ التشوهات التي تُصيب الروح والقلب والفكر؟

كثيرة وكبيرة وخطيرة، هي التجاعيد والتشوهات والأمراض التي تنتشر في فكرنا ومزاجنا وسلوكنا، ولكننا بكل أسف، لا نهتم بانتشارها وتمددها وآثارها، فضلاً عن البحث عن وسائل/ مستحضرات لعلاجها ومكافحتها.

تجاعيد وتشوهات، تكاد تُسيطر على كل تفاصيل حياتنا. تجاعيد وتشوهات، تُخفي كل ملامحنا الجميلة والنقية والبريئة. تجاعيد وتشوهات، تُسفر عن وجهنا الآخر المليء بنتوءات الكراهية والطائفية والعنصرية. تجاعيد وتشوهات، تُظهر كل مصادر القبح والبذاءة والسوداوية. تجاعيد وتشوهات، تحجب كل معاني الحب والفرح والأمل.

التجاعيد التي ترسمها ”عقارب الزمن“ على وجوهنا، صفحة طبيعية في دفتر العمر، ولا تحتاج لكل هذا الهوس والهلع، ولكن التجاعيد والتشوهات التي بنت تلك الجدران السميكة التي تُغلّف قلوبنا وعقولنا وفكرنا، هي التي تحتاج إلى مستحضرات ضرورية وفعّالة، علّها تُعيد لنا حياتنا النقية التي شوهتها كل تلك التجاعيد الكريهة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
كمال بن علي آل محسن
[ القطيف ]: 21 / 1 / 2018م - 7:37 م
الانتقال من الحالة الطبية إلى الحالة الخُلقية رائعة ، وفيها عنصر المفاجأة الذي يعطي دلالة واضحة على الاحترافية التي يمتلكها قلم الكاتب الرائع فاضل العُماني ?