آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:23 ص

السعوديون بين وظائف وهمية ووظائف البرستيج!

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الالكترونية

من شبابنا من لا يريد أن يعمل، وهناك من يريد ولكن في وظيفة ”ميري“ تكسبه مهابة وسلطة والقليل من الضغوط ودوام ليس فيه إجهاد، ليحتفظ بأكبر قدر من ساعات النهار للترويح عن نفسه وإراحتها بالنوم والترويح عنها بقضاء أطول ردح مع ”الربع“، وهناك من يحلم بوظيفة ”سعودة وهمية“ يحصل على راتب دون أن يحرك ساكناً فيما عدا إرسال صورة من بطاقة الأحوال بالواتسأب لرب العمل.

وهناك من يريد أن يعمل في أي وظيفة تدرّ راتباً لمساعدة أسرته ولتغطية مصاريفه. لكن هناك - كذلك - من يريد أن يغامر بالعمل لحسابه وليس للآخرين، فيتطلع لإنشاء عمله الخاص عسى أن يجني منه دخلاً يتعاظم كل يوم ليصبح نجاحاً مالياً واجتماعياً مدوياً.

كيف تعرف من أي الفئات أنت؟ ابحث في ذاتك؛ هل أنت ممن ولد ليصبح موظفاً ينتظر؛ ينتظر الراتب آخر الشهر وينتظر ساعة بداية الدوام وساعة انقضائه؟ أم أنكَ ممن يريد أن يغامر بتأسيس باب رزق؟

البون شاسع بين التوجهين ولعل معرفة الشاب لأي توجه يميل يصرف من أمامه الكثير من الخيارات ويكفيه التشتت. ورغم أهمية هذا السؤال إلا أننا لا نسأله لليافعين، وحتى إن سألناهم فذلك لن يكون بحد ذاته كافياً، إذ لابد من تأهيل الشاب أو الفتاة قبل أن يكون بوسعه أو بوسعها معرفة هدفه من حياته العملية بوعي وإدراك. بل يبدو أننا لا نعرض فكرة العمل والانتاج وإضافة القيمة على اليافعين مبكراً بما فيه الكفاية، وإن عرضناها فنعرضها ممجوجة مشوهة، فمثلاً نحن نتحدث فيما بيننا ونحدث أبناءنا وبناتنا عن أهمية الاعتماد على النفس والابتعاد على الاتكالية، لكن نجد أن البيوت تعج بالخدم، فلا يتحرج طفل صغير أن ينادي العاملة المنزلية لتجلب له كأس ماء من المطبخ أو علبة المناديل على بعد أمتار قليلة! ولا يحرص الكثيرون على الدفع بأبنائهم للعمل في العطل المدرسية، بل المؤسف أن من الآباء والأمهات مَنّ يعارض تلك الفكرة معارضة تامة بقوله: لسنا بحاجة للكم ريال، أو: لن يعمل ولدي عند أو تحت فلان! وما إلى ذلك من تبريرات مشبعة بالأنفة الفارغة. وهي أنفة فارغة كونها نسفت كل ما يمثله العمل من قيمة وسعي للاعتماد على الذات وابتغاء النفع للمجتمع.

وعلى الرغم من إقرارنا أن العمل ليس أجراً فقط، لكن يبدو أن هناك شريحة لا بأس بها من المجتمع تقرن العمل بالأجر ولا تأبه بأي شيء آخر، رغم أن ذلك لا يمكن أن يكون صحيحاً. أعود لأقول، أنه ونتيجة لتأخرنا في دفع أبنائنا للعمل مبكراً ولعرضنا المشوه نجد أن عدداً منهم أصبح يعتقد - مخطئاً - أن هناك أعمال محترمة وأخرى ممتهنة لا تليق به، وأنه لكي يحظى باحترام المجتمع عليه أن يحصل على وظيفة ”محترمة“. والخطورة هنا أنه تعلم أن يزدري أناس لم يرتكبوا جرماً أو فرية سوى أنهم امتهنوا أعمالاً مشروعة يحتاجها المجتمع!

لذا، ينشأ مفضلاً المكوث عاطلاً يأخذ مصروفه من والديه رغم بلوغه من العمر عتياً بانتظار الوظيفة ”المحترمة“، لماذا؟ لعل أحد الأسباب أننا زرعنا في ذهن الابن أن الأهم هو ”الهالة“ و”برستيج“ وما تولده الوظيفة من انطباع ”مهيب“ في أعين المجتمع، متناسين أن ما سيوصله للنجاح هو ما يجيده وما يستطيع الشاب الالتزام به وتنفيذه وليس فقط الطموح العريض وعُقدّ ”الأنفة والعظمة“. كثير منا لا يدرك أنه يزرع آفة في عقل ابنه فيقضي بقية حياته ليس باحثاً عن عمل بل عن عمل ”أبهة“ باعتبار أنه ”أرفع“ من الآخرين ليس بسبب ما ينتج هو بل بسبب ما ينتجون هم!

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى