آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

ثقافة الحوار

محمد أحمد التاروتي *

يشكل الحوار احدى المرتكزات الاساسية، لتقريب وجهات النظر، ورفع الالتباس، وطرد حالة التوجس، لدى الطرف الاخر، لاسيما وان الفراق او الخصام يخلق حالة من التعصب، والتمسك بالمواقف، جراء تمسك كل طرف بآرائه، باعتباره الحقيقة المطلقة، دون الاعتراف بأحقية الاخر بالتفكير، وانتهاج طريقة خاصة، بما ينسجم مع القناعات الفكرية، بالاضافة لمراعاة البيئة الاجتماعية السائدة.

الدخول في الحوار يمهد الطريق، لمراجعة الكثير من القناعات، والاّراء الفكرية، ”العاقل من جمع عقول الناس الى عقله“، بالنقاشات تسهم في اكتشاف بعض الثغرات، والمساوئ، وبالتالي التحرك نحو تصحيح مسار تلك الأفكار، واعادة الأمور للجادة الصواب مجددا، ”الاعتراف بالحق فضيلة“، فالمرء مهما بلغت مكانته العلمية، والتبحر في العلوم، فانه يبقى قاصرا عن الإحاطة، بجميع مفاتيح العلوم، لاسيما وان باب العلم واسع، باستطاعة استيعاب الجميع، ”و فوق كل ذي علم عليم“.

تكريس مبدأ الحوار مهمة ملقاة، على عاتق النخب الثقافية في المجتمع، فهذه الشريحة الاجتماعية تمتلك الأدوات والوسائل، لانتهاج الحوار في الخلافات الفكرية، خصوصا وان محاولة الاستناد الى النفوذ الاجتماعي، او الاستعانة بالسلطة السياسية، لمواجهة التيارات الفكرية الآخري، يشكل خطورة كبرى على الحركة التنويرية، ويسهم في القضاء على حرية التفكير، بمعنى اخر، فان مسلك الحوار مرتبط بالثقافة المجتمعية، المستندة على التفكير النخبوي، فإذا انتهجت التيارات النخبوية الطريقة الاستبدادية، في التعاطي مع الطرف الاخر، فان الشرائح الاجتماعية، لا تجد حرجا من استخدام ذات الأسلوب، خصوصا وان النخب الثقافي تمتلك القدرة على توجيه الرأي العام، باتجاهات مختلفة تبعا لطبيعة تفكيرها، وأهدافها الاجتماعية والسياسية.

الخشية من الحوار، مرتبطة بعدم القدرة على مقارعة، الحجة بالحجة، فالمرءالجاهل يتحاشى ويرفض الاعتراف بجهله، لذا فانه يصر على مواقفه للحفاظ على المكاسب التي يمتلكها، مما يدفعه للوقوف بشدة امام جميع المحاولات الساعية، لإطلاق الحوار مع الطرف الاخر، لاسيما وان النقاشات المباشرة، تكشف زيف الادعاءات، وهشاشة المواقف الفكرية، التي يستند عليها، الامر الذي يفسر الإصرار الكبير على قطع الطريق، امام الدعوات الجادة للحوار، فالمبدأ القائم على إمكانية الصواب، لدى الطرف الاخر مرفوض، وغير معترف به على الاطلاق، ”وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ“.

ثقافة الحوار تتجذر في المجتمعات، التي تمتلك قدرة على استيعاب الاخر، ومحاولة احتضان جميع التيارات الفكرية، خصوصا وان محاربة الفكر، او التيارات الثقافية، لا يقضي عليها، فالغلبة تكون للطرف القوي في فترة زمنية، بيد ان القضاء بشكل كامل على القناعات الفكرية، امر صعب للغاية، فالكثير من الأفكار التي واجهت معارضة، وارهابا فكريا، وجدت من يحملها، ويبشر بها بعد عقود طويلة، من اختفاء أصحابها، وبالتالي محاولة الاستفادة من تلك التيارات الفكرية، أجدى من انتهاج سبيل القمع الفكري، فالحوار يشكل وسيلة للإقناع بصوابية، او فساد تلك التيارات الفكرية، الامر الذي يدفعها أصحابها لتصحيحها، او الانسلاخ منها بشكل كامل.

كاتب صحفي