آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الحلف

المهندس هلال حسن الوحيد *

يعتقد البشرُ أنهم يكرهونَ الشيطانَ ويحاربونه ويتمنون أنه لم يكن موجوداً في حياتهم. جدليةٌ ليست صحيحةً إلا في حالةِ الأنبياءِ وثلةٌ من الناس فقط. بين الباقينَ والشيطان علاقةُ ودٍّ تصل حدَّ العشقِ والغرام. انتقامُ الشيطان يظنه البشرُ تبادلَ مصالحٍ في كثير من الأحيان ويتحالف الإثنانُ في كلِّ شر. يبدأ البشر يومهم بنداء ألْعَنُكَ في العلن وأحبكَ في السر، أين أنتَ؟ تعالَ لنقضيَ وقتاً ممتعاً.

يأتي الشيطانُ ملبياً وهو لم يفارقهم أصلاً حتى في أوقاتِ النوم، يحلمون أحلاماً ويتمنون أمانياً لا تنفك شيطانية. يلبس الشيطانُ بدلة العمل اليومية ويقول للإنسان صلي أنت وأنا سأفكر معك بصوتٍ خفي فيما نقترفُ من آثامٍ وما دام تفكيرنا في الصلاةِ فهو جزءٌ منها، لن يحاسبك اللهُ عليه.  تنتج العلاقة يوماً مليئاً بالكؤوس  الحلوة الشيطانية. ينتهي اليومُ ويعود الاثنانُ ويغرسَا شجرةَ خطيئةِ اليوم التالي.

يولدُ الإنسانُ دونَ علاقةٍ مع الشيطان ولكنها تتسرب إلى عواطفه رويداً رويداً، يشتد عوده وتشتد هي. تتخفى العلاقة والمحبة مثل القدر أو عشيقين لا يريدان أن يفتضح سرهما ولا تنقطع إلا حين تنتهي مدةُ الإنسان في الأرض. جاء النهي عن الصداقةِ مع الشيطان وذكر اسمه في القرآن عشرات المرات، أكثرَ من ذكر أي نبي. رسالةُ الأنبياءِ واضحةٌ، جنةٌ ونار ورسالةُ الشيطان فيها  اللذة والمال والتمرد وأنواع الشهوات. من وراءَ ثلجِ الخطيئةِ وبردها يصيحُ الشيطانُ عفوُ اللهِ يصلنا كلنا ويهزُ الإنسانُ رأسه، نعم!

على النقيضِ يولد الإنسانُ نقياً من الآثامِ ومعه علاقةُ الرب وحبه، يكبر هو وتضعف هي. لا ينفك الرب يدعوه لوصلها وهو يتمنع حتى يموت. بعض البشرِ يرمم الصداقة، تنقطع ويعود الترميم وليس مضموناً عند خطِّ النهاية أن يكون صديقاً للرب. في عز صحبة الإنسان للرب لا تنقطع علاقته بالشيطان، يسمعُ له ويطيع. لا تبقى علاقةٌ الود الفردية غراماً بين اثنين بل تنسج علاقاتٍ بين أكبر عددٍ من الأصدقاء والمعارف وفي كل جوانبِ الحياة في هيئةٍ لا تختلف عن وسائلِ التعارف الحديثة التي اخترعها الشيطانُ ذاته. يشتعلُ عود الثقاب عندما تكون العلاقةُ مجتمعيةً أو دوليةً وتتعدد الشياطين.

تتقلبُ العلاقاتُ في البشر من الود والحب إلى البغض والحرب وكذلك علاقة الشياطين ببعضها. ولكن خيبةَ البشرِ ليس لها حد وكل تغيرٍٍ في علاقة الشياطينِ ليست لصالحِ الإنسان، بل هي عداوةُ من يريد أن يجذبَ الإنسانَ نحوه أكثرَ من الشيطانِ الآخر. هكذا ترتدي شعلةُ المصالح البيضاء لباسَ المصالحِ الشيطانية ولا يكتفي البشرُ إلا بتدميرِ نفسه ويبقى الشيطان.

في كلِّ جزءٍ من الانسانِ وحياته شيطانٌ يمسكُ فيه مبضعاً يقطعه به كلَّ لحظةٍ وتكون عندهُ مصدرَ البهجةِ واللذةِ يطلبُ منها المزيد. الشيطانُ في الأكلِ والشربِ وما نشتهي وفي القلمِ والفكر. الشيطانُ هو نفسنا التي تسكننا، نغذيها ونرعاها وتكبرُ في ظلالِ خطايا عقولنا الوارفة...

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
طاهرة آل سيف
[ صفوى ]: 22 / 2 / 2018م - 12:59 ص
رائع وبليغ ماتكتب من أدب ، دام قلمك
مستشار أعلى هندسة بترول