آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

ثقافة الانطوائية

محمد أحمد التاروتي *

الانطوائية والتقوقع ضمن نطاق ثقافي محدود، يغلق المدارك، ويُحد من القدرة على الانطلاق، في سماء الفكر الواسع، الامر الذي ينعكس بشكل مباشر، على المنظومة الثقافية، لدى المرء في التعاطي مع المحيط الفكري، سواء الداخلي او الخارجي، بحيث يحول دون قدرته على استيعاب المتغيرات، او المتحولات الحاصلة، وبالتالي صعوبة التأقلم بالشكل المطلوب.

التحرك ضمن نطاق فكري محدود، يقود الى التخلف، وعدم مواكبة التطورات الحاصلة، على الساحة الفكرية، خصوصا وان مبدأ رفض الخروج من المساحة الضيقة، بمثابة جريمة بحق الذات عبر تعطيل حرية الاختيار، ومحاولة الاطلاع على مختلف الثقافات، لاسيما وان الانفتاح على الاخر ينمي المعارف، ويقود الى تراكم التجارب الحياتية، فيما تعود الانطوائية على صاحبها بالتقهقر عن الركب، جراء غياب القدرة على القراءة الصحيحة، للتموجات الفكرية السائدة، في الساحة الثقافية، بالبيئة المحلية والخارجية.

الهروب من مواجهة التيارات الثقافية المختلفة، عبر الإمعان في التقوقع والانغلاق، يفاقم المشاكل بالدرجة الاولى، خصوصا وان المبررات الداعمة للانطوائية، سرعان ما تتحول الى معاول هدم، للمرتكزات الفكرية في البنية الثفاقية، لدى اصحاب مبدأ الانعزال، فالمحافظة على الثوابت الفكرية، لا تعنى الهروب، ومحاولة الانزواء في الغرف المغلقة، وإنما تتطلب عملية التمسك بالمبادئ الثقافية، عبر المواجهة، وخوض غمار المناظرات على الملأ، فالطرف القوي لايخشى المناظرة او الحوار، الامر الذي يدفعه للانفتاح على الاخر دون وجل او خوف، نظرا لإدراكه الكامل بقدرته، على التأثير في الطرف المقابل.

مستقبل الثقافية الانطوائية، محفوف بالمخاطر على الدوام، لاسيما وان الثقافة التي تفتقر للقدرة، على التأقلم مع الواقع المعاصر، تواجه خطر الاندثار وعدم الصمود، نظرا لانعدام القواعد الصلبة، القادرة على الاستمرار، في وجه التيارات الاخرى، بالاضافة لذلك فان الخوف من الاخر، يحمل في طياته تداعيات سلبية كبرى، خصوصا وان الانزواء يحول دون التعرف على نقاط الضعف، ومكامن القوة، لدى الطرف المقابل، الامر الذي يعطي الطرف المنافس، الفرصة لتوجيه السهام، ومحاولة الانقاض بكل سهولة ويسر، دون الخوف من وجود الأسلحة القادرة، على صد تلك الهجمات الفكرية المباشرة.

الانعزالية مشكلة كبرى، تواجه بعض التيارات الفكرية، فالخشية من الذوبان في التيارات الثقافية، السائدة في الساحة، ومحاولة السيطرة التامة على الجماعة، تدفع اصحاب القرار لاتخاذ خيار الانطواء، وقطع الطريق امام مختلف المحاولات للاختلاط او الاحتكاك، اذ تعمد في الغالب من التحذير، من خطورة الانفتاح، باعتبارها إثما عظيما لا يغتفر، حيث تقوم بطرد كل من يحاول الخروج عن الجماعة، او التحرك باتجاه الاستفادة من الاتجاهات الاخرى، مما يدفع بقية العناصر لانتهاج سبيل الجماعة، والتسليم بمبدأ الانطواء، وعدم الخروج عن بيت الطاعة، تفاديا لإنزال العقاب، وحفظا على وحدة الصف، بيد ان تلك الأساليب سرعان ما تتهاوى، تحت صخرة الغزو، غير الإرادي، وفقدان السيطرة على فرض الانعزالية بشكل كامل، الامر الذي يمهد الطريق امام انفراط العقد، وبدء مرحلة جديدة، قائمة على الاحتكاك المباشر.

كاتب صحفي