آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

أشتاتا أشتوت «2 - 2»

محمد العلي * صحيفة اليوم

المقال السابق كان «كالطريق من الجحيم الى الجحيم» فقد نقلنا من متاهة التأويل الى متاهة السريالية، أو الى ذلك الذي يسمونه: «التعبير عن الواقع باللاواقع» لأنه ختم انفاسه بالقول:

«تأرجح الضوء مشغولا بضحكتنا

كالذنب يضحك منا حين يغتفر»

ترى: ماذا سيقول ذاك الجهبذ، الذي رجم شعر ابي تمام بقوله: «ان كان هذا شعرا فكلام العرب باطل»؟ انه لن يقول شيئا، ‏ بل سيجلد برأسه الجدران حين يسمع هذا البيت الرشيق حتى يحمل الى مثواه الاخير.

دعنا من القدماء، وتعال لي مسرعا، لتقول رأيك في قول الشاعر التونسي محمد الغزي:

«هي ذي شمس الشتاء المطفأة

دخلت حجرتنا مقرورة

واستقرت بجوار المدفأة»؟

لا تتعجل بالجهر برأيك، وتأمل: هل انت في الصيف ام الشتاء؟ وهل جردت خيالك من غمده أم تركته مدفونا فيه؟ وهل انت في الليل، ام النهار؟. وهل قرأت هذا الشعر، بعد شجار مع حرمك المصون أم بعد قبلة عرمرمية منها؟ كل هذه الاسئلة لها علاقة برأيك الذي ستقوله، نافخا صدرك، وأوداجك المترعة بالصراخ، على أهبة.

ان كنت في الصيف، وخيالك في غمده، وفي رائعة النهار «او رابعة النهار على رأي الاخفش» والحرم المصون غاضبة عليك.. فستمزق الديوان كله، ولن تكتفي، بل ستقلد ذاك الذي حين «استباحوا ابله» قال: «أشبعتهم سبا، وراحوا بالابل».

أما إن كنت عكس ذلك، فستقول: محمد الغزي اول شاعر - عرفته - اعتبر الليل وطنا بل وطنا لا مشاكل فيه، فهو من حرير استمع اليه يغرد:

«وطن من حرير هو الليل، في دفء هذا هذا المقام/‏ فترفق اذا ما دخلت الى ساحه/‏ قد يكسر خطوك ماء سكينته/‏ ويهشم شمعك مرآة هذا الظلام» وشاعر يقول هذه لابد من التفكير، بل الاعجاب بما يقول.

ستقول لي محتجا: ما رأيك في قول الشاعرة الليبيىة فاطمة محمود:

«هكذا تحت وابل من بياض/‏ تعترف المترادفات/‏ هكذا في الغرفة المحاصرة بي/‏ افتح المدى على مباهج الوسوسة/‏.

يسحب الشمس/‏ من خيوطها النحاسية، على قميصه الازرق/‏ الى القاع/ ‏يهتف يا امي، كرتي سقطت في البحر/‏ يسكب «نضال» الشمس في البحر/‏ البحر في الشمس/‏ يرجمها في كأس طفولته/‏ اشربي يا أمي هذا مفيد للصداع النصفي».

وسأقول لك: أبدي لك رأيي، حين نلتقي في الربع الخالي/‏ بعد عمر طويل.

كاتب وأديب