آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

الرتابة في حياتنا اليومية

محمد الحرز * صحيفة اليوم

هل يستطيع الإنسان التخلص من الرتابة أو لأقل الروتين اليومي؟ أليست الرتابة تعني فيما تعنيه فعلا جسديا يتحول إلى سلوك آلي بفضل ممارسته بشكل يومي؟ أليس ذهابك للعمل يشي بهذه الحالة؟ يوميا تخرج من منزلك صباحا، وفي ساعة محددة، وتقطع الطريق ذاته، متجها إلى مقر عملك في المكان ذاته، وتعود إلي منزلك في الساعة المحددة ذاتها. ويمكن أن أضيف أنك تركب السيارة بالطريقة ذاتها التي تركب بها كل يوم بالضرورة، وربما تفتح الراديو على البرنامج ذاته كل صباح. ناهيك عن عدم قيامك بتغيير سيارتك بشكل يومي، نعم إنه ضرب من الجنون لو قمت بذلك، إلا إذا كنت تاجرا ومحبا للبروز، عدا ذلك أنت محكوم في حياتك اليومية بهذا السلوك اليومي. ويمكن أن نضيف قائمة طويلة لو استمررنا في وصف الحالة المتعلقة بالعمل، فلو كنت معلما على سبيل المثال ستجد السلوك الآلي يتمثل في العديد من المواقف، وقت دخولك الحصة ووقت خروجك منها، الوجوه ذاتها، والمادة العلمية أيضا. ولو كنت موظفا حكوميا يجلس خلف طاولة وليس أمامه سوى معاملات للمراجعة والتدقيق فقط، وبعيدا عن أعين المراجعين سيدخل في دوامة السلوك الآلي. ولو كنت حارسا ليليا على مبنى أمني حيث لا يرى في مناوبته اليومية سوى أشباحه الليلية وهواجسه الأمنية سيكون أيضا محكوما بالسلوك الآلي ذاته.

حياتنا اليومية مليئة بالأفعال التي تتصل بالجسد والنظر والتفكير والتي تتحول بفعل التكرار إلى عادة ترتبط بشخصية الفرد وتدل عليه، بل يمكن القول إذا ما اتسعت دائرة العادة وشملت العديد من الأشخاص، ستكون هذه الصفة ترتبط بالمجتمع وتشير إليه. لكن ينبغي التنويه إلى الفرق بين الرتابة التي تطال النظر والفكر والرتابة التي تتصل بالجسد، فما قلناه أعلاه يتعلق برتابة الأفعال الجسدية. أما الرتابة في النظر فمظاهرها الاستسلام التام لفكرة محددة تسيطر على حواس الفرد وتنطبع في ذهنه بوصفها قيمة تتحكم في مستوى علاقاته الشخصية والأسرية والاجتماعية. لنأخذ المثال التالي: شخص مر في مقتبل حياته بتجربة عاطفية أليمة، ومع مرور الزمن تحولت هذه التجربة إلى ذكرى. لكن كل ذكرى تحتاج إلى محفزات واستثارات كي تكون حاضرة في لحظة الحدث، قد تكون أغنية، نكتة، موقفا في سفر، مناسبة اجتماعية، حدثا عالميا، حدثا مقاربا للتجربة التي مر بها، كلاما مقتطعا من مسرحية أو فيلم وهكذا. وكل لحظة تمر في حياته تعاد فيها تفاصيل هذه الذكرى، فإنها تتحول في ذهنه وقلبه معيارا للقيم عنده، يقيس عليها مدى قربه أو بعده عن الناس في علاقاته الاجتماعية. هل يمكن تسميتها بعقدة نفسية؟ قد يكون ذلك صحيحا إذا ما كان الشخص نفسه لم يغير من نمط حياته منذ تجربته الأليمة إلى لحظة تغلل الذكرى في عمق شخصيته. لكن الصحيح أيضا أن ما أسميه بالرتابة يتحدد عندي عندما تفتقر تجربة هذا الشخص اليومية إلى نمط من الحياة تفوق في قوتها وأثرها على تجربته الأليمة.