آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

دور الدكتور صادق العمران في العمل التطوعي الاجتماعي

الدكتور عادل حسن الحسين

موضوع العمل التطوعي الاجتماعي في هذا المقال أقصد به تقديم خدمات اجتماعية - مادية ومعنوية - من خلال التطوع الفردي. وسوف يكون التركيز على دور الدكتور صادق عبد الله العمران، استشاري طب كلى الأطفال، في العمل التطوعي الاجتماعي في محافظة الأحساء.

هذا المقال عبارة عن محاولة متواضعة لتسليط الضوء على ما قام به الدكتور صادق العمران من دعم للعمل التطوعي في محافظة الأحساء.

وسوف يتعرف القارئ الكريم من خلال هذا المقال على الأعمال البارزة التي قام بها الدكتور صادق في رحلته الحياتية - في بعديها الإنساني والاجتماعي. وسوف يتم التعرف على دوره في هذا المجال بناء على آراء أفراد المجتمع الذين شهدوا أو عملوا معه في المجالات المتنوعة في خدمة المجتمع.

يقول المهندس بدر العديلي، أحد الأصدقاء الشباب المقربين من الدكتور صادق: أكثر ما أبهرني في شخصيته هو التعامل الاجتماعي المميز الذي لم يكن يفرق فيه بين صغير أو كبير، فالصغير ابنه والكبير أخوه، رأيته يمازح الأشبال في نادي العدالة إبان توليه لزمام الإدارة في النادي دون أن يضع حدودًا أو أن يكون متكبرًا عليهم رغم مكانته الاجتماعية والعلمية إلا أنه لم يتصرف إلا بسجيته وطبيعته وإنسانيته.

قلت له ذات مرة أنا لا أستطيع أن أكون مثلك في تعاملي مع الآخرين خصوصًا مع من أعتقد أنهم أخطأوا في حقي.

أما هو كان يتعامل مع من أخطأ معه بطريقة مختلفة، حيث يعتقد أن الخطأ يحتاج لتسجيل موقف، وتسجيل الموقف لا يعني القطيعة وخصوصًا مع الأقارب والأصدقاء، وحتى مع من أخطأ في حقه من أفراد المجتمع، حيث كان يمد لهم يد العون ويخدمهم بما يستطيع. وقد رأيته كيف يتعامل بلطف ورقي مع بعض الأشخاص الذين تصرفوا معه بحدة في بعض المواقف التي تلت مشاكل كبيرة بينه وبينهم.

ذات مرة كان الأستاذ حسين الحافظ رحمه الله، يستعد لإطلاق كتابه الأول وكان ذلك الأمر مفاجئًا بالنسبة لنا «نحن أصدقاؤه بما فينا الدكتور صادق». وبما أنه لم يطلعنا على الكتاب ونحن الأقرب إليه، عاتبه الدكتور صادق كثيرًا لأنه لم يعلمه مسبقًا على المخطوطة الأولى للكتاب، ولكن في وقت التدشين كان الدكتور صادق أول الحضور والمباركين له على كتابه. قال لي وقتها أنه سجل موقفًا من عدم إطلاعه على مسودة الكتاب وانتهى الأمر هنا، حيث لم يحمّل الأمر بعدًا شخصيّا كما يفعل غيره.

قال الله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. إن كل عمل صالح يقوم به الإنسان، فهو بعين الله وتحت رعايته ورعاية رسوله ﷺ ورعاية أهل بيته . والحديث عن العمل التطوعي له رابط وثيق بالمجتمع والوحدة الاجتماعية. فما هو مفهوم كل من العمل التطوعي والوحدة الاجتماعية؟

العمل التطوعي

ورد في قاموس المعاني أن ”التطوع“ هو أداء أعمال خيرية عن طواعية واختيار، حيث يقوم المتطوع بأداء تلك الأعمال عن طيب خاطر وباختياره، دونما دفع أو إجبار من أحد معين أو جهة معينة. وتسمى هذه الأعمال الخيرية بالأعمال التطوعية. والعمل التطوعي يعرف بأنه «العمل الذي يستفيد منه المجتمع، ويقوم به الفرد بمطلق حريته، ويتم دون عائد مادي».

ومجالات العمل التطوعي كثيرة جدًا، ومن هذه المجالات: التثقيف الصحي، ورعاية الأيتام، والإيواء والإطعام، وحماية الأطفال من العنف، وغيرها. والأشخاص الذين يؤدون هذه الأعمال التطوعية يُطلق عليهم مصطلح ”متطوعون“. والعمل التطوعي قد يصبح فرضًا كفائيًّا إذا كان عدم القيام به يؤدي إلى خلل جوهري في المجتمع، كالانحراف السلوكي والخسارة في الأرواح وغيرها من الأخطار التي تهدد الوحدة الاجتماعية والسلم الأهلي.

الوحدة الاجتماعية

جاء في قاموس المعاني أن ”الوحدة السياسية“ تعني: اتحاد أمتين أو أَكثر في الرياسة والسياسة والجيش والاقتصاد، وبموجبها يكنَّ أمة واحدة. وبالنتيجة سوف يكون هناك وحدة اجتماعية بين تلك الأمتين اللتين اتحدتا. وهذه الوحدة لا تعني انصهار إحدى الأمتين في الأخرى، أو غلبة أمة على أخرى. إنما تعني وحدة تكاملية، كل أمة تستفيد من إمكانات الأمة الأخرى فيتحقق التكامل بينهما، سواء كانت الاستفادة على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.

لهذا ليس من المنطق بمكان أن تندمج الأديان المختلفة والمذاهب المختلفة والمرجعيات المختلفة في بعضها البعض كي تتحقق الوحدة الاجتماعية. وإنما يُقصد بتلك الوحدة الاجتماعية أن تتحقق العدالة الاجتماعية بين جميع فئات المجتمع المختلفة، الدينية والمذهبية والحزبية والمرجعية والعرقية والقبيلة والمناطقية، وغيرها من الفئات سَمّها ما شئت.

وكل فئة يجب عليها - دينيًّا وأخلاقيًّا وعرفيًّا وقانونيًّا - أن تتقبل الفئة الأخرى وتتعايش معها بسلام وأمن وطمأنينة. لأن في الاتحاد قوة وعزة وفي التفرق ضعف وذلة. قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا.

وقال تعالى أيضا: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ. وقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. وهذه الآيات الكريمة تشير بوضوح إلى حفظ المجتمع عن التفرق والانشعاب، وتدعو إلى الاجتماع والاتحاد.

أهمية الوحدة الاجتماعية وفوائدها

إن أهمية الوحدة الاجتماعية تكمن في فوائدها وآثارها الإيجابية على مستوى الفرد والمجتمع، ومن هذه الفوائد:

1 - إن الوحدة الاجتماعية هي قوة للمجتمع. فالمجتمع الذي يكون أفراده متحدين ومتكاتفين ومتعاونين تراه مجتمعًا قويًّا متماسكًا، بينما المجتمع الذي لا تتوافر فيه معاني الاتحاد والتعاون والتّكافل تراه مجتمعًا هشًّا يسهل تفكيكه والسّيطرة عليه. وقد ورد عن الإمام علي قوله: ﴿وألزموا السواد الأعظم فإنّ يد الله مع الجماعة وإيّاكم والفرقة. وهذا يعني أن القوّة تكون للمجتمع عندما يكون أفراده متحدين ومتماسكين، حيث يبارك الله سبحانه وتعالى في هذا الاجتماع ويعطيه القوة والهيبة.

2 - إن الوحدة الاجتماعية هي وسيلة لتحقيق غايات النّاس وأهدافهم. فالفرد لا يستطيع ومهما أوتي من قوة أن يحقق غاياته لوحده، لذلك إن الحياة في كثير من الأحيان تتطلب اجتماع الناس مع بعضهم البعض بحيث يقدم كل منهم جهده ومهارته ومعرفته في مجاله، فتكتمل أدوار الناس لتحقيق الغايات والمآرب المختلفة.

3 - إن الوحدة الاجتماعية هي وسيلة لتفريج الكروب والهموم. فالناس يتعرضون لكثير من الضغوط والهموم والمشاكل في حياتهم، ويكون الاتحاد والتكافل فيما بينهم وسيلة لأن يشعر كل إنسان بأخيه الإنسان، فيطلع على همومه ومشاكله ويعمل على حلها، وفي الحديث الشريف المروي عن رسول الله ﷺ: ﴿مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعت سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

4 - إن الوحدة الاجتماعية هي وسيلة لزيادة الإنتاجية في المجتمع من خلال تعاون أفراده. فالمجتمع، الذي يسود فيه التعاون والتكامل بين أفراده، قادر على تحقيق معدلات انتاجية أكبر من المجتمعات التي تفتقر إلى التعاون والتكامل بين أفرادها.

والعمل التطوعي ليس محصورا في التثقيف الصحي، ورعاية الأيتام، والإيواء والإطعام، وحماية الأطفال من العنف، ولا ينتهي عندها، بل يبدأ منها إلى فضاءات واسعة من العمل التطوعي المستمر على طول السنة.

ولا ينتهي أثره بتقديم الخدمة للمستفيدين، بل إن للعمل التطوعي أثر إيجابي مستدام على المتطوعين أنفسهم من خلال عدة فوائد: 1» الحصول على خبرات ومهارات جديدة أو صقل الخبرات والمهارات التي يمتلكها المتطوع. 2» تكوين علاقات وروابط اجتماعية. 3» بيئة العمل التطوعي تعطي المنخرطين في العمل التطوعي الفرصة للإبداع في مساهماتهم. 4» هذه الفعاليات تبث في الشباب روح القيادة والإدارة. 5» الإحساس بالرضى عندما يرون الآخرين مسرورين للخدمات التي تقدم إليهم.

وعرف عن الدكتور صادق العمران انخراطه في الأعمال التطوعية المختلفة؛ وعرف عنه أيضًا تبنيه للوحدة الاجتماعية وتشجيعه لمن حوله للانخراط في البرامج التطوعية المجتمعية المتنوعة. ذكرت السيدة أم علي الحمود، إحدى مشرفات التحرير في شبكة هجر الثقافية في أكثر من واحة، وناشطة اجتماعية في عدة جهات: كان الدكتور صادق يدعم الجهات التي تخدم المجتمع ماديًا ومعنويًا، مثل الجمعيات الخيرية والمحافل الأدبية والجوانب الصحية. دائما، تكون له كلمة افتتاحية وتشجيعية في هذه المؤسسات المدنية.

وأعرف أنه دعم كثيرًا من المشاريع الخاصة لإخوة وأخوات، دعمهم ماديًا ومعنويًا إلى أن وصلوا في مشاريعهم إلى مرحلة متقدمة من النجاح. وأردفت أم علي قائلة: هو شخص سبق زمانه فكرًا ووعيًا. فهو إنسان جسد الإنسانية عمليًا واجتماعيًا وثقافيًا وفكريًا.

الأنشطة والفعاليات التي ساهم فيها ودعمها

1. رئاسة أول لجنة لمكافحة العنف الأسري بمستشفى الولادة والأطفال بالأحساء.

2. النشاط الاجتماعي مع جمعية البر بالفيصلية.

3. رئاسة مجلس أسرة العمران الكريمة.

4. تطوير شبكة هجر الثقافية وإعداد مشرفين ومحررين لواحاتها المختلفة.

5. التثقيف الصحي.

6. رعاية الأيتام ورعاية بعض الأسر الأحسائية.

7. انخراطه في نادي العدالة الرياضي بالحليلة.

8. دعمه لحي الحوراء النموذجي وحي الملك فهد.

9. اهتمامه بأصدقائه.

رئاسة أول لجنة لمكافحة العنف الأسري بمستشفى الولادة والأطفال بالأحساء

أخبرني الدكتور منير البقشي، استشاري الدم والأورام في طب الأطفال، أن الدكتور صادق ترأس لجنة مكافحة العنف الأسري بمستشفى الولادة والأطفال بالأحساء، عندما كان متقلدا منصب المدير الطبي. وكان الدكتور صادق أول من ترأس هذه اللجنة، وهي تُعنى بمكافحة العنف الأسري ضد البالغين من النساء، ممن بلغوا 18 سنة وأكثر، سواء من السيدات السعوديات أو العاملات أو ذوي الإعاقات.

ومن مهام هذه اللجنة، النظر في أي شك لوجود عنف أسري، سواء كان العنف جسديًا أو جنسيًا أو نفسيًا أو إهمالًا، بكل أنواعه.

فإذا ثبت لدى اللجنة أن هناك عنفًا أيّا كان نوعه، يتم إبلاغ الجهات المعنية بتسوية العنف مع المتسبب لهذا العنف. وبعد استيفاء دراسة الحالة صحيًا واجتماعيًا ونفسيًا وتقويمها، قد تسجل الحالة في السجل الوطني للأسرة، وقد يتم إبلاغ وزارة الشؤون الاجتماعية عن الحالة. وإذا كان هناك خطر مستمر على المعنفة يتم إبلاغ الشرطة بذلك.

ومن أهم مهام اللجنة متابعة حالة المعنفة وإخضاعها للعلاج أيّا كان نوعه، جسديًا أو نفسيًا. إضافة إلى تأهيل المعنفة المتأثرة نفسيًا جراء العنف خاصة العنف الجنسي لكي تعود إلى المجتمع فتمارس حياتها بشكل طبيعي.

وأردف الدكتور البقشي: وكان الدكتور صادق أيضًا عضوًا في فريق حماية الطفل للجنسين، لمن أعمارهم أصغر من 18 سنة. علمًا أن الدكتور منير كان يترأس هذا الفريق من 1428 هـ  إلى 1438 هـ .

ذات مرة تكلم الدكتور صادق عن حالة عنف أسري، بطلتها سيدة ثلاثينية كانت تنام مع ابنتها الصغيرة في المستشفى. لم تكن ابنتها مريضة، إنما كانت الأم تعيش في حالة نفسية في البيت، وتريد الهروب منها إلى المستشفى لتأخذ قسطًا من الراحة. مشكلتها أنها أنجبت سبع بنات، فلا يمر عليها يوم من غير ضرب ولا تجريح، وصفة يومية تأخذها عند كل وجبة. فكانت توهم الطبيب من خلال وصفها لحالة ابنتها بأن لديها مرضًا كلويًا. فعندما يطلب الطبيب منها تحليل ”بول“ لابنتها كانت توخز إصبعها ب ”دبوس“ وتضع بعض قطرات الدم في البول حتى يصبح لون البول أحمر، فتكون نتيجة التحليل موجبة.

فيقرر الطبيب تنويمها في الحال لإجراء بعض الفحوصات. تكررت هذه الحالة عدة مرات، وفي هذه المرة تم اكتشافها. فحول الطبيب المعالج أمرها إلى الأخصائية الاجتماعية لتسوية الأمور مع زوجها.

النشاط الاجتماعي مع جمعية البر بالفيصلية

للدكتور صادق نشاط اجتماعي ملموس من خلال جمعية البر بالفيصلية في الهفوف، وخاصة في مجالات الثقيف الصحي والتوعية الصحية، وقد شهدت شيئا من نشاطه هذا. وقد ذكر الأستاذ عبدالوهاب الحمد، مسؤول الإعلام بجمعية البر بالفيصلية: أن الدكتور صادق قامة وطنية وشخصية اجتماعية بامتياز ترك خلفه تاريخًا حافلا من الإنجازات سواء على الصعيد الصحي أو الاجتماعي وسأقدم في هذه السطور لمحة عن النشاط الاجتماعي الذي ربط بينه وبين جمعية البر بالفيصلية.

قال الحمد: بدأت باكورة التعاون عندما اتصلتُ به طالبًا منه المشاركة في النشرة الدورية التي كانت تصدر تحت عنوان «باب الخير» وهي نشرة تحمل عناوين ثقافية وإعلامية منوعة يشرف عليها مركز بر الفيصلية. وقد استجاب الدكتور صادق دون تردد وشارك بعدة مقالات توعوية في مجال التثقيف الصحي. كما قدم اقتراحًا مع مجوعة من الاستشاريين بإنشاء مستوصف خيري، يكون هو أحد العاملين فيه بشكل تطوعي وذلك في عام 1423 هـ .

وأضاف الحمد: وبحكم تخصصه في علاج مرضى الفشل الكلوي، فقد كان هناك تعاون مثمر استمر لسنوات لدعم مرضى الفشل الكلوي المسجلين ضمن الأسر المحتاجة وتسهيل علاجهم وتقديم الدعم الممكن من خلال مركز جمعية البر بالفيصلية. وقد عبر عدد من هذه الأسر عن امتنانهم للدكتور صادق ولتعامله الإنساني العالي وحرصه الدائم على راحتهم.

وختاما قال الأستاذ عبدالوهاب: وحسب معرفتي بالدكتور صادق، فإنه شخصية اجتماعية يعطي بلا حدود ويفتح قلبه للجميع. وعندما كنت أتصل به كان يسألني دائمًا عن أحوال الجمعية وما يستطيع تقديمه من خدمة حتى آخر أيام حياته. وكانت آخر زيارة له لمركز الفيصلية في 22 من شهر رمضان المنصرم لعام 1438 هـ ، برفقة وفد من حي الحوراء النموذجي بالهفوف «وفي اليوم نفسه قام الدكتور صادق برفقة الوفد بزيارة مركز حي الملك فهد أيضا».

وأضاف الحمد: بالرغم من سوء حالته الصحية إلا أنه أبى إلا أن يحضر وهو صائم وفي ذلك الحر الشديد ويشارك في ترتيب الإفطار للصائمين، وكأنه يقول إنه باق على نهجه في العمل التطوعي ومساعدة الآخرين حتى آخر لحظة من حياته. رحم الله الدكتور صادق فقد كان نموذجًا للسائرين على دروب الخير والعطاء ومثالا يحتذى به، للإنسان العاشق لتراب أرضه ووطنه.

رئاسة مجلس أسرة العمران الكريمة

قال الأستاذ فتحي العمران، مدير مكتب إدارة مجلس أسرة العمران: لا أستطيع تغطية كل أعمال الدكتور صادق رحمه الله تعالى، ولكن سوف أحاول ذكر بعض الأعمال المتعلقة بتفانيه لخدمة أسرة العمران، وهي خدمات قليلة جدًا أمام الأعمال الخيرية التي قدمها الدكتور صادق.

لكن من وجهة نظري كفرد من أبناء أسرة العمران فإن تطوع الدكتور صادق يرحمه الله لرئاسة مجلس أسرة العمران وبذل الجهد الكبير والمال السخي من أجل إنجاح هذا المشروع الذي عجز عنه كثيرون من أبناء الاسرة، يعتبر أحد أهم وأبرز الأعمال التطوعية للدكتور أبي أحمد رحمه الله وغفر له. لما في ذلك من مساهمة في إحياء صلة الرحم ومساعدة الأقارب وتكريس حب العمل التطوعي بين أفراد الأسرة.

وفي حد علمي، أصبح الدكتور صادق رئيسًا لمجلس أسرة العمران وذلك نتيجة لفوزه في انتخابات المجلس الذي حصل فيها على 141 صوت من إجمالي 145 صوت، أي بنسبة 97,24%.

وأردف الأستاذ فتحي قائلا: ولكي نتعرف على حجم العمل الذي قام به الدكتور صادق يرحمه الله لا بد أن أنوه إلى أنه كانت هناك محاولات سابقة لإنشاء المجلس ولكن للأسف لم تنجح أيٌّ منها.

ولكن، بحكمة وصبر واجتهاد الدكتور صادق وإصراره على إنجاح فكرة المجلس، استطاع المجلس أن يستمر لمدة 6 سنوات. وهذا المجلس مستمر إلى الآن وإلى المستقبل إن شاء الله تعالى.

ومن يعمل في مجال إدارة المجالس الأسرية يعرف ما هي الصعوبات التي تواجهه في توحيد وجهات النظر المختلفة بين أجنحة أبناء الأسرة الواحدة، والصعوبات في توفير المتطوعين من أبناء الأسرة، وتوفير المال للقيام بأنشطة المجلس المختلفة. ولكن الدكتور صادق استطاع أن يذلل كل هذه الصعوبات ويسير بالمجلس من نجاح إلى نجاح أكبر، ووضع المجلس في مصاف المجالس الأسرية الناجحة في الأحساء.

وختم الأستاذ فتحي بالقول: من أهم أهداف الدكتور الصادق في مجلس أسرة العمران هو إنشاء مقر للمجلس ويكون جزء منه عيادة طبية يتطوع فيها أبناء وبنات الأسرة من الأطباء والممرضين والممرضات لخدمة المسنين والمحتاجين من الأسرة وغيرهم. للأسف لم يكتمل المشروع في حياة الدكتور صادق. ولكن الإخوة في مجلس أسرة العمران مستمرون في هذا المشروع، ويعتبر هذا المشروع من أهم أولويات المجلس في هذه الفترة لتخليد ذكرى الدكتور صادق رحمه الله، فهو صاحب فكرة العيادة ومن الداعين والداعمين الرئيسين لهذا المشروع ويشاركه الدكتور عباس موسى العمران، الرئيس الحالي لمجلس أسرة العمران.

ومن منجزات الدكتور صادق في فترة رئاسته لمجلس أسرة العمران، هو النجاح في إعداد وتصميم شجرة أسرة العمران، والذي يعتبر في نظري إنجاز كبير.

تطوير شبكة هجر الثقافية وإعداد مشرفين ومحررين لواحاتها المختلفة

كان للدكتور صادق دور بارز في تطوير شبكة هجر الثقافية عندما كان منسقًا عامًا لها. حيث اكتسبت هجر - في عهده - صيتاً عالميًا بأدائها المميز مقارنة بمثيلاتها من المنتديات الثقافية، المحلية والإقليمية والعالمية. لقد أعطاها من وقته وجهده وماله وخبرته الشيء الكثير.

ذكرت السيدة أم علي الحمود: كان للدكتور صادق نظرة ثاقبة في اختيار المحررين والمشرفين على واحات شبكة هجر الثقافية. وكان يعمل ليلا ونهارًا من أجل تدريب وتوجيه المحررين والمشرفين. وقد اكتسب المحررون والمشرفون خبرات متميزة من خلال دعمه وتشجيعه وتوجيهه، ومن خلال الصلاحيات الممنوحة لهم.

ومصداق لهذا الدعم للمحررين في شبكة هجر الثقافية، قال الدكتور هود العمراني، طبيب أسنان: عملت مع الدكتور صادق بشكل مباشر في شبكة هجر الثقافية في نهاياتها. حيثُ أوكلني مهمة التحرير في واحة الحوار الإسلامي وقد منحني صلاحيات واسعة في التحرير، وذلك لانفتاح الشبكة إلى خارج الحدود. وكنتُ تقريبا المتصرف فيها بالكامل في تلك الفترة بسبب انشغال الآخرين. وقبلها كنت مشرفًا في الواحة الاجتماعية.

ومن أبرز من عمل مع الدكتور صادق في شبكة هجر الثقافية الأستاذ أحمد العامر، مدير تسويق، حيث كلفه الدكتور صادق بعدة مهام في الشبكة.

يقول الأستاذ أحمد وهو يسترجع لحظات تكريم الأحساء للدكتور صادق في العام الماضي في مزرعة الغدير: هنا كان الدكتور صادق يستقبل الأحباب بابتسامة وداع تخنقها عَبرة أخفاها بين ضلوع الألم.

عاش مكافحًا يعتلي درجات العلم ويقطف ثمار سهره على خدمة الإنسان وبناء أطباء المستقبل. كان يغرف من كل بحرٍ أنهارًا ليكشف في حديثه عن معرفة عميقة بل متأصلة فيه، لا يسعك إلا أن تكتفي معها بالإنصات والاستزادة.

كان «جدو» - كما يدعوه الهجريون - حانياً، ومستمعًا جيدًا، وأستاذًا موجهًا. عندما يقسو، كان يقسو قسوة الآباء على الأبناء حين يخطئون ويحن بحنان الأمهات حين يضمون.

الحديث عن شبكة هجر الثقافية وإشراف الدكتور صادق عليها، هو في الحقيقة حديث ذو شجون. سوف يكون لي وقفة مطولة مع دوره في شبكة هجر الثقافية في مقال مستقل إن شاء الله تعالى. فأسأل الله العون والتوفيق في ذلك.

التثقيف الصحي

أولى الدكتور صادق ملف التثقيف الصحي اهتمامًا بالغًا، على طول مسيرة حياته العملية وحياته الاجتماعية. لا تخلو جلسة معه إلا وكان التثقيف الصحي جزءًا من الحديث الذي يدور بين الجالسين في حضرته.

حضرت للدكتور صادق عدة لقاءات وندوات ومحاضرات في التثقيف الصحي كان مشاركًا فيها في عدة مساجد وحسينيات وأماكن عامة، مثلا: مسجد الرسول الأعظم، وجامع آل الرسول، وحسينية الإمام الحجة، وغيرها.

نقلت السيدة أم علي الحمود ما مفاده: قد حصل نقلة نوعية في أداء حسينية الإمام الحجة، ليس فقط من حيث التثقيف الصحي وإنما أيضا من الناحية الفكرية، إذ كان الدكتور صادق يقترح موضوعات فكرية، وفن قيادة المجموعات.

ومن الأمور التي اقترحها على إدارة الحسينية تدريب الكوادر على الاسعافات الأولية. وكان يبادر في التنسيق مع الكوادر الطبية لتحسين البرامج التثقيفية الصحية والتوعوية في الحسينية.

وأشار الدكتور هود إلى دور الدكتور صادق في التثقيف الصحي، بقوله: لم أتشرف العمل معه في هذا المجال. لكن كان دائمَ التشجيع لي شخصيًا عندما أقوم بتسجيل فيديو توعوي. حيث كانت ملاحظاته داعمة دائمًا.

وقد طلب مني كثيرا أن أعمل فيديوهات توعوية عن الأثر السلبي لتناول الملح والإكثار منه في الطعام، وكان هذا أحد المشاريع التي اتفقنا عليها معا. فكانت عليه المادة العلمية وعليّ تقديمها وتسجيلها.

قالت الممرضة فريال الشيخ صالح، ممرضة مختصة في أمراض الكلى لدى الأطفال، ممن لازموا الدكتور صادق سنينا طويلة: بالنسبة للتثقيف الصحي على مستوى المرضى كان الدكتور صادق يحاول جمع المرضى والذين لهم نفس التشخيص بنفس اليوم ليتم عمل حلقة وتقديم محاضرة مبسطة وسهلة تلبي احتياج المرضى وتتناسب مع مستواهم التعليمي والثقافي، وكان يحرص أن يجعل لي جزءًا من الوقت للتحدث أمام الأهل وإبداء رأيي ومشاركة الحديث معهم والجواب على اسئلتهم. كان بكل تواضع يجعل للمرضة نصيبًا في النشاطات التي تعزز من قيمتها وعملها.

وأحيانًا كان يحدد يومًا اجتماعيًا يجتمع فيه مرضى الغسيل الصفاقي بيوم الاثنين من كل أسبوع بمركز أمراض الكلى ليتسنى للمرضى والأهل المشاركة بتجاربهم مع بعضهم البعض والاستفادة القصوى من خبراتهم على الأجهزة المخصصة للغسيل البريتوني الصفاقي.

أما من ناحية التثقيف الصحي للطاقم فكان يحفزني بعمل محاضرات للتمريض وتثقيفهم حول أمراض الكلى وبالخصوص حول الغسيل البريتوني الصفاقي لأنه كان حديثا، ويعتبر الدكتور صادق أول من بدأ هذا العلاج بالأحساء وتأسيس وحدة أمراض الكلى بالإشتراك مع الدكتورة بتلاء أبو خمسين.

وفي هذا المجال، كان يطلب مني المادة العلمية ومحتواها ليراجعها قبل تقديمها، وكان يضيف عليها إضافات ويشرح مسبقًا كل ما يريد تقديمه لمرضاه من خلال هذه المحاضرات، وكان حريصًا على شرح تفاصيل كيفية نقل السوائل وخاصية كل جزيآتها وعوامل الامتصاص، أي بمعنى أنه يريد من كل من يتعامل مع مرضاه أن يفهم التفاصيل بدقتها ولا يقبل من أي ممرضة القرب من مرضاه إذا كانت غير مدركة لتفاصيل فسيولوجية المرض.

وكان أيضا يرسل دعوات إلى جميع الطاقم بضرورة الحضور بنادي الأطفال. وكان يهتم بعدد الحضور ويسأل عن أسباب عدم الحضور. ومن ذوقه العالي عندما نلتقي باليوم التالي بالدوام الرسمي كان يشكر من حضر هذه الفعالية ويشجع ويؤكد بضرورة الاستمرار بالحضور شهريًا، بالرغم أننا نرى من المفروض أن نقوم بشكره لا أن يشكرنا. رحم الله الدكتور صادق، كان إنسانا قمة في التعامل والذوق والأدب.

رعاية الأيتام ورعاية بعض الأسر الأحسائية

قال الله تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى، وقال الله تعالى: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ، وقال الله تعالى: ﴿قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ. شهدتُ كثيرًا من اسهامات الدكتور صادق لدعم التكافل الاجتماعي سواء في رعاية الأيتام أو رعاية الأسر المحتاجة في الأحساء، وكان سخيا في عطائه.

ذات مرة كنت معه في أحد المطارات، وكنا ننتظر إقلاع الطائرة. فأخذنا نتجول في قاعة السفر، فرأى الدكتور صادق صندوق تبرع زجاجي، كُتب عليه - على ما أذكر - علاج الأطفال من مرض معين. فأخرج محفظته من جيبه وأخذ منها مبلغًا سخيًا ووضعه في الصندوق.

ومن الشواهد أيضا ما ذكره الأستاذ فتحي العمران، حيث قال: كان الدكتور صادق رحمه الله يدعم العوائل المحتاجة من أسرة العمران والمحتاحين من خارج الأسرة. على سبيل المثال: بالنسبة لدعم الدكتور صادق للمحتاحين من أسرة العمران لا أذكر أنه تخلف عن أي دعم طُلب من المجلس، وأيضا كان من أوائل وأكبر الداعمين لصندوق الأعمال الخيرية. ولكي لا أبخس حق الآخرين في هذا المجال فهناك في الأسرة من يوازي دعمهم الخيري للأسرة دعم الدكتور صادق رحمه الله.

أما دعم الدكتور صادق للمحتاجين من خارج الأسرة، على حد علمي لم يرد قط محتاجًا طرق بابه. ودعني أذكر قصة سردها لي أحد المقربين للدكتور صادق، عندما طلب منه أحد المحتاجين دعمًا للزواج، وكان المبلغ ليس صغيرًا. وفي ذلك الوقت لم يكن المبلغ متوفرًا عنده، فذهب الدكتور صادق ليستلف المبلغ فيدفعه للمحتاج لتسهيل زواجه.

فقال له ناقل القصة: لستَ مضطرًا لمساعدته إذا كان المبلغ غير متوفر عندك. فرد عليه الدكتور صادق: لن أرد محتاجًا طرق بابي للمساعدة. وبإذن الله تعالى سوف يسهل الله أموري وأرد هذا الدين البسيط في أسرع وقت.

في خاطرة كتبها بدر العديلي عن رعاية واهتمام الدكتور صادق به: كشخص كنت أحظى بكثير من الرعاية والتعامل الراقي بحكم أني كنت ملازمًا له ولصيقًا به منذ أن تعرفت عليه قبل 15 سنة تقريبًا. تعلمت منه كثيرًا من دروس الحياة. وأخذت عنه مهارة بناء شخصيتي معرفيّا وثقافيّا.

وأخذت من شخصيته التصرف الأمثل والحكمة في إدارة الأمور الحياتية. ولن أنسى ما حييت ما قدمه لي في زواجي في كل مراحله من بدايته إلى نهايته. قبل يوم زواجي أوكل لابنه أحمد ولأم أحمد أن يتفقدوا احتياجات الشقة ويكملوا النواقص فيها، وقاموا بذلك على أكمل وجه. أضف إلى ذلك، كنت ألجأ إليه في مرض أطفالي دون الحاجة للذهاب إلى المستشفى.

قالت الممرضة فريال الشيخ صالح: عند الحديث عن دعم الدكتور صادق للأسر الأحسائية المحتاجة، لا يسعنى إلا أن أذكر عدة أمثلة التي كان يقوم بها كواجب. مثلا، عندما يأتي المريض للعيادة وهو يعرف الدخل المادي لعائلته، فأحيانًا يخرج مبلغًا من جيبه ويعطي أهل المريض، وكان يقوم بمساعدتهم بمبلغ شهري يسد حاجتهم.

وأضافت: وأحيانًا أخرى يحاول أن يتحرى أسباب عدم حضور المرضى للعيادة بسؤال الأهل عن ذلك، لأنه بالنظام يتم تدوين سبب عدم الحضور في ملف المريض. وإذا كان سبب الغياب أو عدم حضور الموعد هو بسبب عدم توفر السيارة، كان الدكتور صادق يعقد اتفاقًا مع أهل المريض بضرورة إحضار طفلهم للعيادة وهو يتكفل بكل مصاريف سيارة الأجرة.

ترددت كثيرًا في ذكر كيفية تعامل الدكتور صادق مع مرضاه خصوصًا في داخل العيادة، وكيف يقدم مساعداته المادية لهم، فعذرًا لذلك، لكني أرى أنه من واجبي ذكرها، ليكون مثالا يُحتذى به لدى أطبائنا الجدد لخدمة مجتمع أحسائنا الحبيبة.

ختامًا: رأيت الدكتور صادق رحمه الله في المنام كثيرًا، وكان أغلب الرؤى يتبعه أحد مرضاه الذين كان يقدم لهم المساعدات، فأضطررت أن أخبر زوجته «أم أحمد» بذلك، فأخبرتني أنهم مازالوا مستمرين بإخراج الصدقة من ماله. بلا شك أن عمله غير المنقطع هو بمثابة الصدقة الجارية. ولا سيما فضله عليَّ بعد الله سبحانه وتعالى، فلقد علمني كثيرًا من المعارف، وجعل مني العلم الذي يُنتفع به بعد موته.

باسمي وباسم جميع طاقم التمريض الذي عرفه وتعامل معه، وكذلك باسم جميع مرضاه الذين لمسوا حنانه كأب وليس كطبيب فحسب، اللهم أنعم عليه كما أنعم علينا في الدنيا من نعيم التعامل وصدق المشاعر ومحبة الخير. اللهم اسكنه فسيح جناتك واغفر له وارحمه، وعافه واعفوا عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وابدله دارًا خيرًا من داره.

ومن طرائف الدكتور صادق في العمل الاجتماعي، هو ما رواه نفسه

قال الدكتور صادق: ذات مرة، كنت في العيادة، وإذا بأحدهم يطرق الباب. وكالعادة انزعجت الممرضة من هذا التصرف. خرجت الممرضة وقالت: كم مرة قلنا رجاء عدم طرق الباب، وأيضا كتبنا على الباب هذه العبارة. إذا كان الباب مغلقا يعني في مريض في الداخل. لذا يفترض تصبرين حتى أفتح والباب وناويليني ورقة الموعد وانتظري دورك. قالت أم المريض أها، لكن ما عندي ورقة موعد. قالت الممرضة: وكيف سأعرف رقم الملف؟ قالت أم المريض: ما عندنا ملف. قولي للدكتور «أنا بتاعة الفيسبوك».

يقول الدكتور صادق: سمعتها وسمعتها أيضا أم المريضة التي بالداخل وشكلها استغربت واستهجنت قولها، أما أنا تبسمت. التفتت إلي الممرضة. قلت لها: اعطيها رقم وقولي لها تنتظر. فلما انتهيت من جميع المرضى الذين لديهم مواعيد، جاء دور المرأة وولدها. قالت الممرضة: يستحيل تمر عيادة من غير مفاجآت، لازم تضيف مريضين أو ثلاثة وأنا آخر من يعلم. حتى ملفاتهم غير جاهزة.

قلت لها: لكن عندهم ملفات. قالت: لكن هذه المرأة ليس لديها ملف. قلت: ناديها! قالت: طيب، لكن ما اسمها؟ قلت لها: ما أدري، لكن بالفيسبوك اسمها مستعار. قالت: والله! يعني تريدني أناديها ”قطر الندى“، مثلا.

قلت: أنت شفتيها، روحي غرفة الانتظار وأكيد سوف تعرفينها. خرجت الممرضة فرأتها واقفة في الممر. فكشفت على ولدها وقلت للممرضة افتحي ملفًا للولد.

انخراطه في نادي العدالة الرياضي بالحليلة

وقد أولى الدكتور صادق اهتمامًا كبيرًا بالرياضة بكل تفاصيلها منذ نعومة أظفاره. واهتمامه بالرياضة لم يكن اهتمامًا سطحيًّا إنما عن علم ومعرفة ودراية وقراءة؛ ومتابعة لكثير من الدوري الرياضي المحلي والإقليمي والدولي، والأولمبيات الرياضية العالمية وغيرها من الفعاليات الرياضية. ومن هذا المنطلق اهتم كثيرًا بالشباب الذين يمارسون الرياضة أو يعشقونها فاحتواهم بشكل إيجابي، فالتفوا حوله.

استطاع الدكتور صادق بشخصيته الجذابة أن يحتوي الشباب وبالذات من هم في سن أبنائه من خلال روحه الشبابية المرحة في جميع مراحل عمره، ومن خلال تبنيه لكل ما يهم الشباب في حياتهم الاجتماعية والعلمية والعملية؛ وما يمس هواياتهم. قال الدكتور هود العمراني: كان الدكتور صادق شابًا وشبابيًّا في جميع مراحل حياته.

على سبيل المثال تجده يهتم بالرياضة بجميع أنواعها في البيت والعمل والحياة الاجتماعية، متابعة وقراءة وتحليلا. وما انتسابه إلى نادي العدالة الرياضي بالحليلة إلا من منطلق اهتمامه الكبير بالشباب. حيث كان عضوا في مجلس إدارة نادي العدالة الرياضي بالحليلة من 2006م إلى 2016م. وأصبح أيضا نائب رئيس نادي العدالة الرياضي من 2016م إلى حين رحيله إلى الرفيق الأعلى في 4/9/2017م الموافق 12/12/1438 هـ .

وسوف أتكلم عن اهتمام الدكتور صادق العمران بالرياضية بشكل عام، وعن تجربته مع نادي العدالة الرياضي بشكل خاص في مقال منفصل، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني لذلك لكي يرى هذا المقال النور قريبًا.

دعمه لحي الحوراء النموذجي وحي الملك فهد

الدكتور صادق من الأشخاص القلائل الذين لم يألوا جهدًا في خدمة كلٍّ من حي الحوراء النموذجي وحي الملك فهد.

قال الباحث الأستاذ سلمان الحَجي، عضو المجلس البلدي: يعتبر الدكتور صادق شخصية مبادرة في كل ما يراه مفيدًا للنهوض بمجتمعه في حدود امكاناته، ولا يعيقه واقعنا وظروف عمله ووعي فريق العمل. وقد دعم هاذين الحَيين في كثير من مطالبات البلدية، ومشاريع المياه والصرف الصحي، والمشاريع الصحية.

وبحكم أنه طبيب، كان يقدم الاستشارات الطبية والتوجيه والنصحية والمساعدة في تنسيق مواعيد أو فتح ملفات في المستشفيات الحكومية إذا كانت الحالات حرجة.

وختم الأستاذ الحجي بقوله: شخصية الدكتور صادق كسبت حب العقلاء لأنه متواضع ومتفانٍ، وامتاز بمهارة التعامل مع جميع فئات المجتمع.

في كلمته في تأبين الدكتور صادق، قال الأستاذ عادل منصور الغدير: عند الحديث عن السيرة العطرة للفقيد أبي أحمد رحمه الله التي جمعتنا معه من خلال سكنه في حي الحوراء النموذجي طوال السنوات الماضية، إنه نموذج فريد من نوعه من حيث الأخلاق والرقي في التعامل ومساعدة الجميع بما يستطيع.

كما كان متعاونًا ومشاركًا في أغلب أنشطة الحي سواء على الصعيد الداخلي في مناسباتنا الخاصة والعامة أو على الصعيد الخارجي للحي، أذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر؛ مشاركته مع أسرة الحي في المهرجان الرياضي والذي يحمل عنوان «رياضة المشي وقاية وعلاج»، ومشاركته مع أسرة الحي في العمل التطوعي الخيري لجمعية الفيصلية وجمعية حي الملك فهد التابعة لجمعية البر بالأحساء.

كان الدكتور صادق يبعث الطاقة الإيجابية من تحفيز وتشجيع في نفس من جاوره وعلى وجه الخصوص العمل التطوعي الاجتماعي في شتى مجالاته، وخاصة في مجال لمّ شمل العائلة الواحدة لما له من الأجر والثواب الكبير عند الله في الدنيا والآخرة.

اهتمامه بأصدقائه

الصداقة في عرف أبي أحمد، أمر مقدس. يهتم بأصدقائه أيما اهتمام. يتفانى في خدمتهم، وراحتهم، ولمِّ شملهم. ويحب مشاركتهم فيما هو فيه من نعمة منَّ الله بها عليه.

وهذه شهادة من رفيق دربه في السنوات الأخيرة بدر العديلي، حيث قال: كان الدكتور صادق محبًا لأصدقائه بدرجة لا توصف، متواصلاً معهم، عاذرًا إياهم عن الغياب، وخصوصًا من هم خارج البلاد. فصداقاته تمتد إلى أغلب دول الخليج، سأذكر مثالاً مازال عالقًا في ذهني. في يوم من الأيام اتصل بي أبو أحمد وكنت في العمل، فسألني متى ينتهي دوامك؟ قلت له: إن دوامي ينتهي في الثانية والنصف وسأكون في المنزل الساعة الثالثة عصرا. قال لي: تجهز سنذهب إلى الكويت.

تفاجأت! ولكن لم أتعود على رفض أيِّ طلب من قبله، فأنا ممن يعشق صحبته والبقاء معه أطول وقت ممكن.

ولكني أخبرته، لا بد أن نكون في الأحساء قبل الساعة الخامسة مساءً من اليوم التالي. وبالفعل انطلقنا، ولم أكن قد سألته عن سبب سفرنا إلى الكويت. في الطريق أخبرني أبو أحمد: إن أحد الأصدقاء قد اكتشف أنه مريض بالسرطان ولم يشأ أن يخبرني، ولكن صديقًا آخر قد أخبرني بذلك. وصلنا الكويت عند التاسعة مساءً من ذلك اليوم. ثم توجهنا إلى منزل صديقنا مباشرة، اطمأننا عليه، وبتنا تلك الليلة في منزله، وعدنا صباحًا إلى الأحساء.

ويضيف الأستاذ أحمد العامر: كان الدكتور صادق مستوعبًا لاحتياجات الشباب والأصدقاء من حوله.

لذا عندما رحل إلى الرفيق الأعلى، لم يبكه أبناؤه وعائلته فحسب، بل بكاه حسرةً كل من تعرف عليه ولو من خلال جلسة عابرة في مجلسه المبارك، أو في عيادته، حيث لمسوا منه تلك المحبة الحانية والعميقة. رحمك الله يا أبا أحمد، فما زلت فينا قِبلة نيمم بقلوبنا نحوها داعين المولى عز وجل أن يتغمدك بواسع رحمته وأن يسكنك فسيح جنانه.

مسك الختام

كلما تعمقتُ في شخصية هذا الإنسان الرائع أكتشفُ جوانبَ مشرقة في حياته. كان يعمل في صمت وبإتقان، وينفق بسخاء من ماله وعلمه وخبرته وجهده ووقته. كان عمله دؤوبًا بلا انقطاع، منذ أن شب على هذه الأرض الطيبة، وفي جميع الأصعدة. عندما يفعل الخير، يفعله قربة إلى الله وخالصًا لوجهه تعالى. فكان مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ.

كان يعمل من وراء الكواليس، وينسب عمله إلى غيره وخاصة في العمل التطوعي الاجتماعي. تقول السيدة أم علي الحمود: كان يقول في حديثه مع الذين يعملون في المجال التطوعي في الدمام، أن حسينية الحجة متقدمة عليكم «منذ أربع سنوات» في تقديم خدمات نوعية بفضل جهود أم علي الحمود في حسينية الحجة. مع أن له الدور الأبرز في هذه النقلة النوعية للحسينية إلا أنه نسبه إلى غيره. إن دل على شيء إنما يدل على تواضعه ونكرانه لذاته.

تميز الدكتور صادق بشخصية شمولية ذات مهارات متعددة، لذلك تراه في كثير من الفعاليات المجتمعية لتقديم كل ما يستطيع من دعم وتوجيه. يقول الأستاذ بدر العديلي: ذات مرة كنت أناقش أحدهم عن محدودية العقل البشري في تخزين المعلومات في ”الذاكرة“، فكنت مِن شدة انبهاري بشخصية الدكتور صادق، حيث كان المثال الذي طرحته على قدرة الإنسان على أن يكون موسوعة في كل المجالات. حيث كان بالفعل موسوعة دينية، وعلمية، وثقافية، واجتماعية، ورياضية، وغيرها.

يكاد يكون الدكتور صادق متخصصًا في كل هذه المجالات من كثرة تبحره فيها وتعمقه في أدق تفاصيلها.

كثيرًا ما تكلم عن فتح عيادة بعد تقاعده. وكان في نيته أن يقدم العلاج مجانًا للمحتاجين. وحلم العيادة قديم جدا، سمعته يتكلم عنه مرارًا. وقد اقترحه على إدارة جمعية البر بالأحساء بمركز الفيصلية عام 1423 هـ . كما خطط لتأسيس عيادة تطوعية في مقر مجلس أسرة العمران، المشروع الذي خطط لإنشائه. امتاز الدكتور صادق بالتخطيط لأمور كثيرة في حياته، وكان يحلم كثيرا، ويعمل على تحقيق تلك الخطط والأحلام، إلى آخر لحظة من حياته القصيرة. كانت حياته رضوان الله عليه مصداقًا لقول الرسول الأكرم ﷺ: ﴿إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق المسؤولين في مجلس أسرة العمران على تحقيق حلم الدكتور صادق رحمه الله ليكون له صدقة جارية.

رحمك الله يا أبا أحمد، وأنزل على روحك شآبيب الرحمة والمغفرة والرضوان، وأنزلكَ منازل الأبرار، وعرفكَ بمحمد وآله الأخيار، وجعل مثواك الفردوس الأعلى مع محمد وآله الأطهار. اللهم تقبل مني هذا القليل «في حق أخي وصديقي ورفيق دربي صادق» بقبولٍ حسن. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الأخيار الميامين وأصحابه المنتجبين.