آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

بعد خمسة عشر عاماً على احتلال العراق

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

خمسة عشر عاماً مرت، منذ تم احتلال العراق، من قبل الولايات المتحدة. وكان هذا الاحتلال، هو المختبر الأول، لتنفيذ استراتيجية «الفوضى الخلاقة»، التي تحدث عنها في حينه وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد، الذي سينبثق من رحمه نظام الشرق الأوسط الجديد، و«إسرائيل» حجر رحاه.

بشر المحتل بدمقرطة المنطقة العربية بأسرها، واعتبر العراق هو المحطة الأولى، في إشاعة الديمقراطية. وجاءت براكين الخريف في بداية عام 2011م، لتكون نقطة الحسم في مشروع الفوضى الخلاقة، ولتعمم الخراب والدمار في ليبيا واليمن وسوريا، ولتفتت السودان، وتهدد الأمن القومي في مصر وتونس والجزائر.. والقائمة مفتوحة.

واقع الحال، أن الحديث عن العراق، كمختبر أول، قد بدأ قبل ثلاثة عقود من الاحتلال، حين تحدثت تقارير استخباراتية أمريكية، أن العراق سيكون المحطة الأولى في عملية إخضاع المنطقة، لمشروع الهيمنة الأمريكية. وقيل في حينه إن هذا البلد يمثل منطقة رخوة، لكونه متعدد الأديان والأعراق، ومحاطاً بقوتين إقليميتين، ليستا على علاقة ود معه.

وكان سقوط حائط برلين، وغزو العراق للكويت، فرصة سانحة لوضع المشاريع المؤجلة تجاه العراق، قيد التنفيذ. لكن انشغال الإدارة الأمريكية بنتائج سقوط الحرب الباردة، والاهتمام بتركة الاتحاد السوفييتي، وتحديداً وضع ترتيبات جيوسياسية جديدة، لعلاقة أوروبا الشرقية، بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أجلا احتلال العراق، أكثر من عقد، لكن ذلك تم وفق رؤية منهجية، عملية، اعتمدت تضييق الخناق على القيادة السياسية العراقية من جهة، من خلال حصار قاس من جهة، واستنزاف مستمر لقوته العسكرية، ووضع مقدمات تفتيته، من خلال ما عرف بحظر الطيران العراقي العسكري، جنوباً وشمالاً، ضمن خطوط عرض حددتها إدارة الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، بعد تنفيذ عملية عسكرية عرفت بثعلب الصحراء.

أرادت إدارة بيل كلينتون، أن تكون خطوط العرض التي شملها الحظر الجوي، هي خريطة عراق ما بعد الاحتلال: دولة كردية في الشمال، وأخرى شيعية بالجنوب، وثالثة سنية، فيما أطلق عليه، بالمثلث السني، ويشمل محافظات صلاح الدين وديالى والأنبار ونينوى.

ووجه مشروع التفتيت، بتحديين إقليميين، هما ما وضعهما المحتل، في قراءته الأولية، ضمن العناصر الإيجابية لمشروع التفتيت.

إيران استغلت وجود عناصر موالية لها في أعلى هرم السلطة، في العراق، لتمد أذرعتها الاستراتيجية، وتوسع من دائرة عمقها ومصالحها الحيوية. وقد نسقت بشكل عملي مع الاحتلال، للتخلص من تركة النظام الوطني، الذي أدار السلطة في العراق، قرابة خمسة وثلاثين عاماً. لكنها من جهة أخرى، وجدت في استراتيجية التفتيت، عملاً مضراً بمصالحها.

إن مشروع التفتيت، يعني قيام دولة كردية في الشمال والغرب من حدودها، والدولة السنية المقترحة، ستكون مانعاً برياً يحول دون تمكين طهران من الوصول إلى عمقها الاستراتيجي في دمشق وجنوب لبنان.

وبالنسبة للقوة الإقليمية الأخرى، تركيا، فإن وجود دولة كردية على حدودها الجنوبية الشرقية، سيمثل تهديداً حقيقياً لأمنها القومي، خاصة أن الأكراد المتواجدين على أرضها، هم قرابة ثلاثة أضعاف نظرائهم في العراق.

وبالنسبة للإدارة الأمريكية الحالية، فإن التزامها بمواصلة تأييد الطموحات الكردية في إقامة دولة مستقلة في شمال العراق، قد يعني انفراط ارتباط تركيا، حليفتها التاريخية، بحلف الناتو. وهو ما سيشكل مكسبا تاريخياً مهماً لروسيا، الخصم اللدود للغرب، الذي يحث الخطى، نحو تأكيد حضوره بالساحة الدولية.

وهكذا حالت القوتان الإقليميتان، تركيا وإيران دون تنفيذ مشروع التفتيت، لكن ذلك لا يعني أن كلتا القوتين الإقليميتين، ليست سعيدة بوجود نظام ضعيف وهش في العراق. إن ذلك، يتيح لهما التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد العريق متى ما وجدتا أن ذلك يصب في مصلحتهما.

أما بالنسبة للعراق، فقد مر بحقبة صعبة بعد الاحتلال، حيث جرى تفكيك الدولة العراقية، وحل جيشها الوطني، كما تم تخريب منهجي منظم لمدينة بغداد، شملت نهب المتاحف، وحرق الجامعات والمعاهد العلمية، وانتشار حالة الاحتراب الطائفي، وتغول ظواهر الإرهاب، واستفحال الفساد، وشيوع اجتثاث أنصار حزب البعث، وهروب الملايين من أرض السواد، للدول المجاورة. كما هرب الكثير إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.

ورغم مضي خمسة عشر عاماً على الاحتلال، فإن تركته لا تزال ماثلة أمام العراقيين حتى يومنا هذا. فالفساد المستفحل، لا يزال يمنع نمو العراق وازدهاره. كما لا يزال أكثر من خمسة ملايين عراقي، خارج أوطانهم حتى هذه اللحظة. وقد ثبت بالدليل، فشل العملية السياسية، التي هندس لها السفير الأمريكي، بول برايمر.

يضاف إلى ذلك، أن الحكومة العراقية، لم تسع حتى هذه اللحظة لإلغاء قرار الاجتثاث، وتحقيق الوحدة الوطنية العراقية، ولملمة الجرح، وإعادة اللحمة بين كل العراقيين. وبقي العراق، حتى الآن قوة غير مؤثرة في المحيط العربي.

العراق بحاجة إلى امتلاك إرادته المستقلة، والعودة إلى محيطه العربي، ولن يكون ذلك ممكناً إلا بتحقيق الوحدة الوطنية، والنهي عن سياسات الاجتثاث والإقصاء، والقضاء على الفساد، ورسم الفرحة والبهجة على شفاه العراقيين، كل العراقيين.