آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

إداراة أموال الوطن بين ساما وصندوق الاستثمارات العامة

الدكتور عبد الله محمد الحسن صحيفة الاقتصادية

منذ عدة أيام، نسبتَ صحيفة الفينانشال تايمز البريطانية تصريح لوزير الاقتصاد والتخطيط بأنه ”كلما كان سعر النفط فوق سعر النفط التوازني للميزاينة، سيذهب هذا كله إلى صندوق الاستثمارات العامة“. وبعدها ذكر كاتب المقال «وهذا ليس منسوب لمعالي الوزير» ”أن مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، وهي مؤسسة محافظة وبيروقراطية منذ عقود، هي الحارس التقليدي لثروة المملكة، حيث تستثمر في الأدوات المحافظة مثل السندات“. من السهل الرد على عدم التوصيف الدقيق من قبل الصحيفة من خلال زاويتين «ويمكن الاطلاع على اكثر من 10 مقالات كتبتها في هذه الصحيفة عن الصناديق السيادية»:

الزواية الاولى، ان الاحتياطيات الأجنبية لدى ساما هي مجموعة من الأصول السيادية a pool of assets المملوكة للحكومة وليس لها هوية قانونية مستقلة. وهذا الإطار القانوني ليس خارجاً عن المألوف بين بعض الدول مثل النرويج، شيلي، روسيا، بوتسوانا، وتيمور الشرقية وغيرهم. في مثل هذه الحالة، البنك المركزي يدير أصول الصندوق تحت التفويض الممنوح له من وزارة المالية. وبالتالي فإن ساما «كمدير للأصول السيادية» تقوم باستثمار هذه الاحتياطيات حسب توجيهات وزير المالية بناءاً على مستوى المخاطر والعائد حسب ما تراه الحكومة مناسباً ولكن لها الحرية في اختيار الاستثمار المناسب للمحفظة الاستثمارية بحكم خبرتها في الاسواق المالية العالمية. وهذا ليس مختلفاً عن ممارسات الافراد، حيث ان الشخص يقوم بتوجيه البنك أو الصندوق الاستثماري عن رغبته في الاستثمار أما في أصول منخفضة المخاطر والعائد «مثل الودائع أو السندات» أو عالية المخاطر والعائد «مثل الأسهم وسندات الشركات والعقارات وغيرها».

لذا ليس من الانصاف اتهام مدير الأصول بانه تقليدي ومتحفظ في إدارة الاستثمارات، إذا كان مدير الأصول «ساما» يلبي رغبة مالك هذه الأصول «وزارة المالية». من جهه أخرى، ان الدول أعلاه تقوم بتعظيم العائد على الأصول السيادية من خلال الاستثمار في أصول عالية المخاطر الى حدا ما. على سبيل المثال، النرويج تستثمر 60٪ من اصولها في الأسهم و3٪ في العقار والباقي في السندات. صحيح أن 75٪ إجمالي الاصول الاحتياطية لدى ساما مستثمرة في أوراق مالية في الخارج، ولكن لا أعلم كيف استنتج هذا الكاتب أن أغلبية الموجودات المالية مستثمرة في سندات حيث لا تصرح ساما عن تفاصيل هذه الاستثمارات: ان كانت في سندات أو أسهم أو خليط من الاثنين. لذا فإنه من الصعب على القائمين على إدارة هذه الاحتياطيات إقناع الإدارة العليا لـ ”ساما“ وكذلك وزارة المالية بأن الاستثمار في أصول ذات عوائد ومخاطر متدنيه هو القرار الاستثماري الأمثل.

الزاوية الأخرى، خلال الخمس سنوات الماضية كتبت عن أهمية إسناد إدارة الفوائض النفطية «الاقتصادية 3 مارس 2014م» اما إلى «1» جهاز متخصص أو ذراع استثمارية ”مستقلة“ سواء تحت مظلة ساما «مثل الدول اعلاه» حتى تتفرغ ساما الى مهامها كبنك مركزي، حيث ان نظامها القانوني الصادر في عام 1371 هـ  لا يتطرق إلى تعظيم العائد على الموجودات الأجنبية، أو «2» إسنادها الى صندوق سيادي بكينونة قانونية مستقلة ذات قدرة كاملة على التصرف في إدارة الأصول السيادية. في عام 2016م، اتخذت المملكة قراراً بتبني الخيار الثاني من خلال صندوق الاستثمارات العامة وربطه بشكل مباشر بمجلس الشوؤن الاقتصادية والتنمية وكذلك تحويل 100 مليار ريال من ساما الى صندوق الاستثمات العامة.

وهذا النموذج معمول به في دول مثل: أستراليا، الكويت، الإمارات، نيوزيلندا، وصندوق سنغافورة للاستثمار. في مثل هذه الحالات، الصندوق السيادي يكون مملوكاً للحكومة ويدير أصول الصندوق تحت المبادئ التوجيهية من الحكومة، وكذلك يحق للصندوق إدارة الأصول الأخرى للقطاع العام. على سبيل المثال، صندوق سنغافورة للاستثمار يدير الأصول التابعة لوزارة المالية وفي الوقت نفسه إدارة جزء من احتياطيات البنك المركزي من أجل تعظيم العائد على الموجودات الأجنبية للبنك المركزي.

خلاصة القول، بما أننا في مرحلة انتقالية حيث أن جزء من الاستثمارات يتم إدارته من قبل ساما والجزء الآخر في صندوق الاستثمارات العامة، جوهر الأمر ليس من يدير الأصول السيادية «سواء ساما أو صندوق الاستثمارات العامة» ولكن الإدارة الفاعلة لهذه الأصول تتطلب إطاراً قانونياً متيناً قائماً على أسس وقواعد راسخة من أجل تعزيز الإطار المؤسسي وهيكل الحوكمة والشفافية. بالفعل قد تكون ساما متحفظه وهذه طبيعة البنوك المركزيه حول العالم، ولكنها في الحقيقة شفافه من خلال إصدارتها الشهرية والتي توضح حجم الأصول السيادية ولكن تفتقر هذه إلاصدارات الى معلومات عن طبيعة إستثمار هذه الأصول.

من جهه أخرى، الأمل معقود على صندوق الاستثمارات العامة في نشر تقارير دورية عن أنشطته الاستثمارية «والتي تقدر عند840 مليار ريال بنهاية سبتمبر 2017م» وتطبيقاً لوثيقة برنامج صندوق الاستثمارات العامة المقره من مجلس الوزارء والتي تضمنت الاعتماد على ”نظام حوكمة عالي الشفافية للصندوق، يضمن تحقيق الجودة والتميز في الاداء، وفقا لرؤية الصندوق ورسالته، وبما يمكنه من تحقيق أهداف رؤية 2030“. فهل ترى النور هذه التقارير الدورية؟