آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

في نيويورك دفن الثراء كل أسراره

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الالكترونية

نيويورك هي العنوان عندما يتعلق الأمر برأس المال. ورسملة بورصة نيويورك تقدر بنحو 20 ترليون دولار، وبورصة ناسداك بلغ رسملتها 8 ترليون دولار. وتتضح ضخامة السوقين عند مقارنة رسملتهما بالناتج المحلي الاجمالي للولايات المتحدة الأمريكية، الاقتصاد الاول في العالم، الذي بلغت قيمته 19,7 ترليون دولار نهاية 2017.

والأمر لا يتوقف على ضخامة الرسملة، على الرغم من أهمية ذلك، بل كذلك لنوعية الشركات المدرجة، التي لا تجاربها قائمة للشركات المدرجة في أي سوق أخر. أضف لذاك الابداع والتجديد للمنتجات المالية ومشتقاتها وهياكلها، بما جعل لنيويورك الريادة والصادرة والتأثير الأرجح كفةً في العالم، دونما منازع. فإن كان هناك من يتحدث عن سيطرة الدولار على التعاملات المالية عالمياً، فهو عملة التبادل الأولى دوليا، كذلك فإن لرأس المال العالمي محور رئيس هو الأسواق الأمريكية، وتحديداً بورصتي نيويورك، إذ لن تستطيع شركة - الا ماندر - ان تكون عالمية النشاط، دون الأدراج في نيويورك، أو التقاطع معها بطريقة أو بأخرى.

إذا لا غرابة أن تكون نيويورك ضمن القائمة القصيرة للبورصات المرشحة لاحتضان طرح شركة أرامكو السعودية، واسطة عقد الاقتصاد السعودي. فضخامة السوق وتنوع الشركات وتعددها وتنوع هيكلها وشموله لمجموعة كبيرة، لا مثيل لها من شركات الطاقة بكافة أنشطتها وأنماطها.

في سوق نيويورك، ستكون ”ارامكو“ ضمن ناديها الذي تنتمي له أخذاً في الاعتبار ماضيها وحاضرها وأين تريد أن تكون؟. وفي نيويورك سيكون بوسع ”أرامكو“ أن تغرف من الجيوب العميقة التي ليس لها نظير، إذ من المسلم به أن حجم أسواق السندات أكبر بما لا يقل عن ضعف رسملة الأسواق عالمية، والأسواق الأمريكية ليست استثناءً، أما نيويورك فهي من بين الأنشط، ويتجاوز نشاط تعاملات السندات تعاملات الأسهم بما لا يقل عن الضعف.

ولذا، فإن الحديث عن إدراج ”أرامكو“ في سوق نيويورك هو احتمال له الكثير من الوجاهة من حيث المبدأ، لكن الممارسات تجعل للتهيب من الأدراج في تلك السوق إبتدأ أمر له وجاهته كذلك. ولعل من المناسب القول أن وصول ”ارامكو“ لقائمة الشركات المدرجة في نيويورك أمر سيتحقق في وقتٍ من الأوقات بعد فترة من التهيئة والتحضير. فالقضية لا تنتهي بأن تدرج ”ارامكو“ في سوق معين، بل لعلها تبدأ؛ فالشركات تسعى للادراج في أسواق تشبهها، بوسعها أن تحتضنها بتلبية احتياجاتها لكي تتوسع وتزدهر وتتمكن من أن تنمي أموال مساهميها مرات ومرات، وأن توفر لسهم الشركة وبقية أوراقها المالية سوقاً رائجة من خلال توفر مجموعة من صانعي السوق الأشداء.

ونيويورك ليست مجرد سوق مالية لادراج الشركات لتبادل اسهمها وتوفير التمويل لها من خلال اصدار سندات، بل يتجاوز ذلك بكثير، بما لا يتسع هذا الحيز لتناوله حتى بايجاز، فهناك مقار أعتى بنوك العالم، وبيوتات الملكية الخاصة ورأس المال الجريء، وبيئة مالية هي الأكثر اكتمالاً ونضجاً في العالم.

اليوم هو يوم سعودي مميز في نيويورك، يعرض القطاع الخاص السعودي مالديه من امكانات وفرص، ولعل الأهم ان السعوديين سيعرضون على نظرائهم الأمريكان طموحاتهم التي أصبحت أكثر وضوحاً وتركيزاً وتحديداً في حقبة ”الرؤية السعودية 2030“.

وثمة أمر هو محوري في حقبة ”الرؤية السعودية 2030“، وسيكون - دون شك - حاضراً في مداولات ”قمة التنفيذيين السعودية الأمريكية 2018“، وهي أن هذه الحقبة تتميز بالشراكات وليس المقاولات. والأمر - في هذا السياق - لا يختلف كثيراُ عما تسعى الولايات المتحدة من خلال الادارة الحالية للرئيس ترامب لتحقيقه؛ هو السعي لاستقطاب الاستثمارات المباشرة للسعودية، والسعي كذلك لتنمية المحتوى المحلي السعودي. ولا يعني هذا إنكفاءً أو انغلاقاً بل رغبة في تنمية الثروة وتنويع الاقتصاد وتحسين مستوى دخل السعوديين، وبما لا يحد من فرص المستثمرين الأجانب الراغبين في الدخول في شراكات استراتيجية للعمل في المملكة والسعي لتحقيق نجاحات مشتركة. مجدية لجميع أطرافها.

وهكذا، والجولة في محطتها الثالثة، لا أجد من عنوانٍ أعرض للزيارة التاريخية للولايات المتحدة الأمريكية مما صرح به سمو ولي العهد، من أنها لكسب ثقة المستثمرين، وتأمين الدعم التقني والتعليمي لتنفيذ برنامج الإصلاحات في المملكة. وليس خافياً، أن للمملكة مصالحها المتعددة بما في ذلك العسكرية والأمنية فضلاً عن السياسية والاقتصادية، لكن الجديد هو أن تحقيق ”الرؤية السعودية 2030“ يصنع من تلك المصالح - رغم تنوعها وتفاوتها - منظومة متسقةً ينتفع منها الاقتصاد المحلي، ويتأكد ذلك في كل محطة من محطات الجولة الميمونة.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى