آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

حدود الحرية الشخصية في القرآن

محمد أبو زيد

في الشريعة الاسلامية مسألة مهمة جديرة بالتأمل وهي تكليف الانسان تجاه نفسه... يقول تعالى ﴿قوا أنفسكم وأهليكم نارا ويقول ﴿يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضَل اذا اهتديتم.

البعض يتصور ان له كامل القيومة على نفسه فيحق له ان يتصرف كيف يشاء بنفسه طالما ان تصرفه لا يتعدى دائرته الشخصية!!

نلحظ هذا التكليف على عدة مستويات:

الأول: كرامة النفس الانسانية

يقول تعالى: ﴿ولقد كرمنا بني آدم.. الكرامة ليست شأنا خاصا يمتلك الانسان التصرف فيه، هو مادة قانونية ملزمة سواء تعلق الامر بكرامة الاخرين التي لا يجوز لنا انتهاكها، او تعلق بكرامة ذات الشخص، فالتكليف سيان... ولذلك ورد ”رحم الله إمرء جب الغيبة عن نفسه“ وورد: ”من وضع نفسه في مواضع التهمة فلا يلومن الا نفسه“.

فكما لا يجوز انتهاك كرامة الاخرين لا يجوز ممارسة اي سلوك يؤدي الى امتهان كرامته الشخصية، ولذلك ورد التحذير من الاستهانة ببعض السلوكيات التي تكون عواقبها اهانة النفس... يقول أمير ”أزرى بنفسه من استشرى الطمع، ورضي بالذل من كشف عن ضره، وهانت عليه نفسه من أمر عليها لسانه“.

ثانياً: الضلال والهداية

يحفز الدين الفرد المؤمن لممارسة اي نشاط دعوي وثقافي يعمل على هداية الناس وتبصيرهم، مهما كانت سعة وضيق دائرة التأثير «لأن يهدي الله بك رجلا واحد خير لك مما طلعت عليه الشمس» وبنفس الأهمية يجرم ويحذر من اي ممارسة تؤدي الى تضليل الناس وإغوائهم بإثارة الشبهات والباس الحق بالباطل وكتم الحقائق عنهم.

وهذا التكليف يلزم الانسان تجاه نفسه فلا يجوز له التسبب لها في التورط في الشبهات العلمية التي تؤدي به الى الضلال والانحراف.

ولذلك حرم على المسلمين في بداية الاسلام ”التعرب بعد الهجرة“ لأنهم لا زالوا في طور بناء أنفسهم عقائديا وان اقحام أنفسهم في بيئة ملوثة بالشبهات سيؤدي في اغلب الأحيان لانحرافهم عقائديا وفكريا...

كما هو الحال عندما ينفتح البعض على ثقافات وافكار الحادية وهو غير محصن فيؤدي لتقبل تلك الافكار والتأثر بها والدفاع عنها بحجة حرية الفكر... ولهذا قال تعالى ﴿عليكم انفسكم الزموها بالتعليم والتحصين الفكري والعقائدي ﴿لا يضركم من ضَل اذا اهتديتم اي لا يكون إهمالكم لانفسكم سببا في الأضرار بها نتيجة التأثر بالافكار المنحرفة.

ولذلك ورد في تأويل قوله تعالى ﴿ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا من اخرجها من ضلال الى هدى.. ولا شك ان نفس الانسان أعز الانفس عليه، واخراجها من الضلال ميدانه الاول.

ثالثا: قدسية الحياة

الحياة أحد اهم المقدسات في الشرائع والأديان السماوية، وليس هناك ما هو اعظم قداسة منها.

ان اعظم المقدسات والرموز الدينية تتطامن امام قدسية الحياة وحرمتها ”لأن تزول الكعبة حجرا حجرا اهون عند الله من قطرة دم تراق دون حق“ وفي نص اخر ”لأن تزول السموات والارض..“.

هذه القداسة لا تختص بحياة الاخرين فقط، وإنما تشمل حياة الانسان ذاته.. ان موقف الانسان تجاه حياته الشخصية لا يختلف عن موقفه تجاه حياة الاخرين.. حتى يبرر البعض اقدام البعض على ازهاق نفسه انتحارا بأنه لم يتسبب بأضرار الآخرين!!

من أعطاه حرية التصرف في نفسه؟؟ ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا حتى لو كانت نفسه!!

قرار الموت والحياة بيد الله وحده، والإنسان مقهور بالنسبة لموقعه من الزمان، كما انه لا يمتلك قرار قدومه، لا يمتلك قرار مغادرته ﴿هو يحيي ويميت.