آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

البراءات المذبوحة

موسى الخضراوي

يعاني مرضى فقر الدم في مدينة القطيف من تهميش اجتماعي عام ومتواصل على مختلف الأصعدة ومن جل شرائح المجتمع بقصد وبدون قصد.. ولولا هممهم العالية وإيمانهم الراسخ وتطلعاتهم لمستقبل مشرق ونفوسهم الطيبة لأصبح جلهم في ذاكرة النسيان...

إن زيارة عابرة لمركز أمراض الدم الوراثية بمستشفى القطيف المركزي تكفي عن كل الكلمات.. شباب في عمر الزهور يفتتهم الألم وينخر أجسادهم المصير المجهول.. ترى ملائكة البشر تئن أنينا يمزق أنياط القلوب ولا أمل لها سوى رحمة الله..

فراشات وبلابل في كل الغرف تصارع الموت والهم والخوف والقلق... آلام يشيب لها الوليد وصراخ يفزع الحجر قبل البشر...

يتنقل الموت بينهم كما يتنقل الذئب بين الغزلان فلا يستثني منهم أحدا... متى ما وقعت عين المنية على أحدهم اختطفته بلمح البصر.. ولنا بذلك ألف شاهد وشهيد...

مرضى الدم رياحين الجنة على ربوات الأرض اختارهم الله ليكونوا سفراء في مملكته ومحلا لبلائه..

مرضى بدنا وأصحاء روحا وعلما وتقى وثقافة وتعاملا.. صابرين مسلّمين واثقين بالله جل جلاله..

مرضى تقف كل الكلمات خجولة أمام قلوبهم الصابرة وتنحني كل الجمل أمام طموحاتهم التي ليس لها حدود..

لا أحد في القطيف إلا وله رحم أو صديق أو جار من هذه الشريحة.. ومازال قطار الانتشار يسير ولا نعلم متى سيقف...

وعليه.. كان لزاما على كل شرائح المجتمع أن تساند هذه الفئة بكل السبل وبكل الإمكانات وبكل العلاقات والنفوذ..

مرضى يتكدسون ساعات طويلة عند الاستقبال لعدم وجود أسرة فارغة في المركز.. وآخرون يبتهلون إلى الله أن يأخذ أرواحهم لينهوا صراعهم مع الألم العظيم..

للدكتور نبيل العيد دور رائد ومتميز في مركز أمراض الدم الوراثية غير أنه بحاجة ماسة لأطباء مختصين وفاعلين معه ليتمكن من أداء دوره بالشكل المطلوب.. كما أن كادر الممرضين في المركز متميز غير أنه لا يستطيع خدمة جميع المرضى وفي جميع الأوقات لظروف خارجة عن إرادته.. فمرضى فقر الدم يحتاجون لمضاعفة أعداد الممرضين والممرضات وتأهيلهم تأهيلا خاصا يجعلهم قادرين على التعامل مع مرضى يعانون أعلى درجات الألم.. وإلا فهناك الكثير من الضحايا ينتظرون دورهم...

طالما تعذر قسم الباطنية في المستشفى عن قبول حالات تحتاج إلى تنويم بذريعة عدم وجود أسرة في القسم وهو عذر مقبول حينا ومرفوض أحيانا كثيرة..

لابد من وضع خطة بديلة لعلاج الحالات الطبية المحتاجة للتنويم وفق برنامج جديد وعاجل.. وهذه المسؤولية تقع على عاتق إدارة المستشفى..

من هنا.. كان واجبا على القطيف قاطبة من أطباء وممرضين وكوادر صحية ووجهاء ومثقفين ونشطاء اجتماعيين ومسؤولين وأهل نفوذ أن يتوجهوا لإدارة مستشفى القطيف المركزي للتشاور والتخطيط ووضع الحلول الأولية كبادرة أولى.. يتبعها بادرة أخرى للمديرية الصحية بالدمام ومنها لوزارة الصحة ولو تطلب الأمر الذهاب للديوان الملكي فهو خير سبيل..

أبواب المسؤولين في الدولة مفتوحة للمواطنين في كل الأوقات وما علينا سوى تنظيم الخطوات وبلورة الأفكار وتنسيق المطالب وتظافر الجهود وتكوين لجنة مؤهلة من رجالات القطيف المخلصة ومن ثم تقديم المطالب لأهلها..

لا بد للقطيف من مستشفى تخصصي مستقل لأمراض الدم تتوفر فيه كل الإمكانات والأجهزة والخدمات والمرافق والأهداف والرؤى ليستوعب هذا الكم الهائل من المرضى في الحاضر والمستقبل.. كما أن اختيار الأطباء المختصين والفاعلين والكادر التمريضي المؤهل والإدارة الكفوءة عامل مهم في هذا المشروع...

إذا أهملنا واجباتنا تجاه مجتمعنا وتجاه رياحين الجنة من مرضانا فنحن أحد عوامل الإهمال والتراخي في علاجهم وربما كنّا سببا في رحيلهم عن عالم الحياة..

أولادكم وبناتكم وإخوانكم وأخواتكم أمانة في أعناقكم جميعا.. بكم يشرقون ويتألقون كأنهم الولدان المخلدون وبتجاهلكم لهم وتقاعسكم عن مسؤولياتكم تجاههم يحتضنهم الثرى صباح مساء..