آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

أين أجد ربي؟

ورد عن أمير المؤمنين : «الحمد لله الدالّ على وجوده بخلقه» [1] 

أين تلك العقول التي لم تتخل عن أدنى مستوى من التأمل والنظر لتبصر ما حولها في الكون من صورة جمالية، إذ أن العين أنى اتجهت ستجد ما يبهر ويدهش من تركيب وتنظيم عجيب فائقة الدقة، ونظام كون لا يخترقه مكمن خلل بل يعبر عن صنع متقن ينسب إلى صانعه الحكمة والعلم والقدرة.

وأما تلك العقول التي أصابها التشويش ورضيت بالنظر الأبله القاصر لمكونات الكون، ولم تبذل أدنى جهد لتكتشف الحقائق، مع ما أمد به الخالق الإنسان من مصباح معرفة ألا وهو حب الاستكشاف والتعرف على البيئة والمحيط من حوله، فهل يرى تلك الوردة ويستمتع بمنظرها الجميل الأخاذ، ويستنشق عبيرها الزكي بما يجلب له الانبساط وراحة النفس، ولا يعطي نفسه فرصة بسيطة برؤية تركيبها العجيب الذي لا يكشف بعض أسراره إلا العلماء، مما نقرأ عنه في كل يوم من دراسات علمية تزيل عتمة العقل عن حقائق مذهلة، فينتقل ذهنه من عظيم الصنع إلى عظمة الصانع الذي خلق فسوى وأحكم وأتقن؟

فمن وقف على بناء هندسي جميل فيه من اللفتات ما يبهر، أو تأمل في لوحة خطتها أنامل وريشة فنان قد شكلت من الخامات البسيطة صورة جميلة يقف أمامها بإعجاب شديد، أفلا يحكم على مهندس البناء بأنه بارع، وذاك الفنان بأنه صاحب ذوق وفن كبير؟

إذا لماذا يقف البعض أمام صنع المخلوقين عنده متأملا وحاكما عليه، بينما يدير عقله عن التأمل - ولو بشكل سريع - أمام هندسة الكون الذي يشكل لوحة إعجازية في إتقانها، وتحوي ما لا حصر له من الأجزاء والأنحاء في بحار وسماء ونبات وجبال؟

بعض العقول - نجزم بضرس قاطع - أنها تحمل السذاجة أو الخبث والتضليل، عندما تحاول أن تسحق وتوقف كل حركة وتوجه علمي لاستكشاف حقيقة الوجود والاستدلال على الصانع، فالصانع العظيم ببداهة هو خالق ومبدع هذا الكون وتسييره وتدبيره بقوانين ونظام لا يتخلف أبدا، وأما دعوات الإلحاد وإنكار الخالق العظيم بدعوى عدم وجود ما تركن وتستند له النفس من دليل معتبر وبرهان ساطع، فهي دعوى تشويشية وإخفاء لأهداف يورونها خلف ظهورهم، يحسبون أن العقلاء تجهلها ولا تعرف تلك النيات والسرائر الراغبة في حياة مجون وتفلت وانحلال أخلاقي، لا يصلون لبثه وتخلله حياتهم العبثية إلا بنفي الدين وقيمه، والذي أساسه وجود الصانع والاستدلال عليه بنظام الكون، كيف والفطرة تقفز بسرعة لحقيقة المؤثر والموجد مع وجود المخلوقات!!

ومن لم تطب نفسه ولم يقنع عقله ببداهة فكرة الصانع القادر، فليمتع نظره في لوحة الكون وينقل نظره من فوقه ومن تحته وفي نفسه ليبصر الحقائق، سيرى أنه في قناعته ويقينه بالموجد سيكتفي بنظرة من أي فرد مهما كان فكره بسيطا، ولا يحتاج للاستدلالات العقلية والعلمية في مستوى التحليل والبحث المعمق، ولو أردت اختبارا بسيطا فخذ بدليل الخلف وعكس الحقائق، وقل له أن تلك اللوحة الرائعة أو ناطحة السحاب في منطقة كذا أو برج إيفل وغيرها، قد أوجدتها الصدفة أو تعرية الرياح أو حبات المطر المتساقطة، ألن يصفك بالجنون والخرف المبكر، ويأخذ بالحديث المسهب الذي يستعرض فيه جمالياتها وأوجه الإبداع فيها؛ ليوصلك إلى حقيقة أن وراء ذلك مهندس أو فنان مرهف في أحاسيسه، فقل له: كيف عرفت عظمة الصانع من المخلوقين وقد أبدع في شيء واحد مثلا، ولم تتعرف على الخالق العظيم وقد أتاح لنظرك وعقلك كونا متسعا يحتوي براهين لا تحصى تبصرك الحقائق وتكشف لك عن بديع ما صنع، ألا ساء ما يحكمون بعقول صدأة غلفوها بشهواتهم؟!

[1]  «نهج البلاغة الخطبة 185».