آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

ما العرض الأول لدار الأوبرا.. «الناي السحري» أم «كارمن»؟

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الالكترونية

يتواصل عرض الأوبرا الناجحة قروناً، فعمر ”الناي السحري“ تجاوز القرنين ونيف، فيما يستمر عرض ”كارمن“ منذ العام 1875. عروض الأوبرا هي محطات ثقافية تجوب العالم، بل وتساهم في رسم خرائط الثقافية عبر محطاتها تلك.

قبل نحو سنتين أتت فرقة عالمية لدار الأوبرا في دبي لعرض رواية ”البؤساء“! وقتها، دار في خلدي أننا أمام سبب إضافي للذهاب لدبي! ونجد أن دور الأوبرا الخليجية - وهي حديثة البناء - عبارة عن قطع معمارية رائعة - تُحيط بمراكز التسوق والحركة البشرية الكثيفة إحاطة السوار بالمعصم، فنلاحظ مثلاً أن دار الأوبرا في الكويت مجاورة لمجمع الأفنيوز، ودار الأوبرا في دبي بجوار دبي مول. أما مجمعاتنا فبقيت مراتعاً لشراء الملابس وابتلاع الطعام واحتساء القهوة، دون أي بعدٍ ثقافيٍ لها! أما دار الأوبرا السلطانية فقد سبقتهما، وهي تتمركز في موقع متميز في أطراف مسقط بالقرب من فنادق فارهة ومجمعات تسوق.

لست من الرواد المواظبين على عروض الأوبرا، لكن ثمة عروض كلاسيكية أحرص على حضورها، أما مشاهدة عرض أوبرالي لرواية فيكتور هوجو ”البؤساء“ فهو نمط أوقع وأكثر إثراءً وتأثيراً فنياً من قراءة الرواية أو مشاهدتها فلماً في دارٍ للسينما.

وأن يكون في السعودية داراً للأوبرا واوركسترا سيعني الكثير ليس للسياحة والترفيه فحسب، بل لتمتلك الرياض بنية ثقافية تحتية متكاملة، حركة نشر وإنتاج فكري، معارض للكتاب، ندوات للمثاقفة، مسارح ودور سينما وأوبرا. والقضية لا تخرج عن كونها عرض وطلب، فالسعوديون يرتحلون من أجل الثقافة؛ قراءة ومشاهدةً، ففي عرض البؤساء في أوبرا دبي، الذي حضرته مع إبنتي، كان حضور السعوديين للعرض لافتاً.

وهذا أمرٌ له دلالة، لنا إرثنا وثقافتنا وحضارتنا التي هي المكون الأساس لإدراكنا ووجداننا، وفي ذات الوقت هناك اهتمام بما لدى الآخر. فضلاً عن ذلك، أن للتعبير الثقافي أنماطاً، وهي ليست غريبةٌ عنا، فلازلتُ أخال أن جدران المسرح الكبير «مبنى 10» تصدح بمسرحياتٍ كنا نكتبها ونعدها ونخرجها في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، والحفلات التي كانت تنظم بحضور أساطين الأغنية السعودية.

وشخصياً ممن يستمتع بزيارة الكويت والأمارات والبحرين وبقية دول مجلس التعاون، وأتطلع لكل سانحة لزيارة أشقائنا هناك. ويبدو أني لستُ وحيداً في ذلك، بل وسط جَمهرة! إذ لابد من بيان أن ”السائح السعودي“ هو الرقم الذهبي في سياحة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. فقد أحرز السعوديون المركز الأول بفارق في كلٍ من البحرين والكويت ودبي.

وهكذا، فالسعي لاكمال التجهيزات والبيئة الممكنة للفنون، هو مسعى يجلب قيماً جمالية وثقافية نحن بحاجةٍ لها، ولنوفر معها أموالاً وأوقاتاً. وها نحن نقوم بذلك بعد ان أنهكنا الجدلَ وأعيانا الانتظار! فعند النظر بعمق نجد ان طبيعة الأمور هي أن تصبح المملكة هي نقطة الاستقطاب السياحي الأولى في منطقة دول مجلس التعاون؛ فهي تمتلك تنوعاً واتساعاً لا ينبغي أن ينافسها فيه أحد من دول الجوار.

بل يمكن القول، بأن المملكة مؤهلة لتكون نقطة اشعاع ثقافي عالمياً، وما يمنعنا هو نحن، فنحن نمتلك مقومات فريدة بالفعل. ختاماً، أصدقكم القول أن الأمر أبعد كثيراً من كونه ترفيهاً أو حتى سياحة، الأمر هو ألا نهمل أسباب قوةٍ وتأثير تغبطنا عليها العديد من الدول، ومنها من قد يحسدنا أو قد يعادينا.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى