آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 3:46 م

الإمام الكاظم قوة في وجه التحديات

العداء السافر للإمام الكاظم يكشف عن تقديرات لشخصه ووجوده المؤثر في النفوس الطاهرة والعقول الواعية، فحركة الوعي التي تحمل مسئوليتها الإمام ، داعيا إلى حياة الإيمان والطهارة الروحية وتهذيب النفوس، ومحذرا من الظلم والفساد والاستبداد، اعتبرتها السلطة خطرا محدقا بها ويؤسس لحالة رفض ومواجهة، ولذا عملت على أمنية إطفاء نور الله تعالى وصوت الحق، والذي لم تنفع معه كل وسائل الترهيب والتنكيل والبطش، بل كان سجنه عنوان الصبر والثبات والعمل وفق الظروف المتاحة، دون أن يكون لكل تلك الأجواء الترهيبية في الطوامير أدنى تأثير سلبي على نفسية الإمام وتحطيم روحه المتألقة، فبدلا من اليأس والعجز الذي انتظروه منه أظهر القوة والمواجهة.

وأرادوا من سجن الإمام الكاظم حرمان الأمة من منبر العلم والتوجيه، فعملوا على إبعاده عن قواعده الجماهيرية التي انجذبت إليه، لما كان ينضح من علمه الزاخر ما يشبع نهم طلابه، وما أشرقت من سيرته النيرة وأخلاقه الرفيعة أضحت منهجية للسائرين في طريق الترقي والتكامل، ولكن الأمة استقبلت درسا مهما من سجنه ألا وهو الصبر.

وأملوا من نتائج لسجن الإمام وتداعيات تأثيره على انفضاض الناس عنه ونسيانهم لوجوده وانعدام حضوره في شيء من حياتهم ووجودانهم، ولكن خاب مسعاهم الباطل وأضحى سجن الإمام صومعة عبادة وتقرب إلى الله عز وجل، ومدرسة يستقي ويستلهم منها محبوه وأتباعه معاني الإرادة التي لا تنكسر والتمسك بالقيم والثبات عليها مهما واجه المرء من تحديات، وكل ذلك مشروط بالتحلي بالوعي للأحداث ومجرياتها ومآلاتها.

كم نحن بأمس الحاجة في ظرف عصرنا الراهن الذي نواجه فيه مختلف الصعوبات والأزمات إلى النهج الكاظمي لمواجهتها والتكيف مع الاوضاع الصعبة دون أن تشكل عائقا عن الثبات بل وتشكل حافزا على مواصلة طريق العمل، فأمامنا تجربة قاسية عاشها الإمام خلف قضبان القهر فلم تنل من إرادته شيئا، وعاش الأجواء الروحية ونورانية السجود لله عز وجل في أحلك الظروف، مما يشف عن نفس مغمورة بالطمأنينة والتسليم بقضاء الله تعالى واليقين بوعده والثقة بتدبيره، كهذا يستطيع المؤمن أن يحول الأزمة أو المشكلة إلى فرصة يستثمرها في صناعة نفسه وتنمية قدراتها في ظل النفس الطويل والعمل الجاد، فلا وجود للضعف أو التكاسل مهما كانت صعوبة الأوضاع التي يمر بها؛ لأنها تعني ببساطة سقوطه في أحضان اليأس والذي يعني نهاية صنعها بيديه.

مفهوم القوة والاقتدار الذي روج له الطغاة من إطلاق يد البطش والعدوان لكل من خالفهم وأعرض عن مركب ظلمهم، ما هو إلا وهم وبيت عنكبوت واه قد نسجت خيوطه في الهواء، وإنما القوة الحقيقية هي في النفوس الأبية على الانكسار مهما واجهت من صعوبات، بل وتستطيع أن تواصل نهجها الرسالي في أي ظرف كان.