آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

الممهدون للظهور

ترقب ظهوره وشوق الفؤاد إلى طلته البهية وقد رفع راية الإصلاح وتطبيق العدالة وتحطيم أصنام الاستبداد والطغيان والانحراف؛ لتنعم البشرية بدولته الكريمة التي تحقق للمرء كرامته وسعادته بطاعة الله عز وجل والتمسك بالقيم الأخلاقية والترفع عن الرذائل والمنكرات، فكل نفس طيبة تنتظر ويحذوها الأمل بأفول غياهب الضلال والتيه.

وهذا الترقب لظهوره المبارك لابد له من انعكاس وتحرك من جهة المؤمن يفوق الحالة الوجدانية، فإن مجرد اللهف والتحري لذاك اليوم الموعود مع انفصال تام عن معالمه الإيمانية والمنظومة الأخلاقية التي تحكم وتضبط أنصاره وبناة دولته ، يعني أن هناك خللا في فهمنا لمفهوم انتظاره والتمهيد لظهوره، ونحتاج إلى إعادة البحث والتعمق والتغلغل في معانيها الحقيقية، إذ انتظاره والانضمام تحت لوائه يعني انصهارا واندماجا مع أهدافه المقدسة من صياغة الشخصية الإيمانية الرسالية المضحية، والعمل على اقتلاع جذور الانحراف والانحلال والمجون وتنكيس رايته بتاتا.

الحاكمية للدين الحنيف وحماته وتطبيق قيمه والإشراف على ذلك هو المهمة التي سيقيمها ويؤديها الإمام المنتظر، ولا يعني ذلك انفصالا وابتعادا عن منهجية الإصلاح وسيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل ذلك، بل الممهدون لظهوره الشريف هم من يحملون - بكل قوة واقتدار - راية التغيير الإيجابي في المجتمع ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وأما من ينزوون ويتجنبون التوجيه والإرشاد لكل خير والتحذير من ارتكاب الخطايا، فإن خنوعهم ومهادنتهم الباطل يبعدهم عن منهجية الإصلاح المهدوي ويجعلهم في القطب والاتجاه الآخر المخالف له.

الممهدون لظهوره يرتقبون رفرفة راية الإصلاح والعدالة، وهذا ينم عن ثقة بوعد الله تالى ويقين بتمكين وليه الحجة من إقامة معالم الدولة الإلهية الحقة، فيوطن المؤمن نفسه ويهذبها ليكون عنصرا فعالا في غلبة الحق والهدى، وبالطبع فإن فاقد الشيء لا يعطيه ولا يثمر الشوك العنب، فإن لم يكن من السائرين في طريق التكامل والتزكية النفسية لن يكون في ضمن هذه الفئة المتميزة بالتقوى وخشية الله تعالى وحفظ حقوق الآخرين.

الممهدون للمصلح العظيم لهم موقف من الفساد ومظاهر الانحراف والانحلال الخلقي المتفشي والضارب بجذوره في مناحي كثيرة في المجتمع، ومن منطلق الوظيفة الشرعية المقتضية إنكارها وتغييرها بحسب ما يستطيع، فالرضوخ والتسليم للواقع المظلم وتكبيل اليدين أمام موجات الانحراف العقائدي ودعوات الإلحاد مثلا، ومنهجة المجون بعنوان الحرية الشخصية والانفتاح على الشعوب الأخرى، يعني بعدا عن راية الإصلاح التي رفعها أولياء الله والمؤمنون الموحدون على مر التاريخ.

انتظار الفرج هو افضل أعمال المؤمنين والمهمة التي يقومون بها في زمن الغيبة، ولكن ذلك لا يعني إقرارا ومماهاة ومهادنة للمظاهر الانحرافية، بل هو عمل دؤوب وفق ما تقتضيه الحكمة والعمل المخطط له «الاستراتيجي»، وهمة عالية وإرادة قوية للدعوة لكل خير والتحذير من القبائح مهما واجه من صعوبات أو محطات تعثر، فلا يداخله اليأس والتقهقر بسبب عدم استجابة البعض.