آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

شهادة فضيلة العوامي!

محمد رضا نصر الله صحيفة الرياض

«برنامج الرعاية والتأهيل هذا تشرف عليه إدارة مباحث الدمام يستفيد منه بعض المواطنين الشيعة من المحكومين في قضايا أمنية في أحداث العوامية، والقطيف أسوة بإخوانهم السنة المستفيدين من برامج مشابهة، حيث كان دوري ودور زملائي وزميلاتي من العاملين، معي في المجال النفسي؛ من مختلف مناطق القطيف والأحساء، فيها إنساني بحت، ليس تطوعاً ولا خدمة مني أو منهم لكنه بتكليف من الدولة لنا لتقديم رعاية ما قبل الخروج للمستفيد الذي أنهى محكوميته وشارف على الخروج رغبة منها في إصلاح وترميم ما خلفه التمرد على الوطن ومخالفة النظام من ضرر على المستفيد وأهله.. من مهام عمل الأعضاء اللقاء بالمستفيد نفسه قبل خروجه في جلسة، الغرض منها تشخيص حالة المستفيد، إن كان يعاني من أمراض نفسية أو اضطرابات شخصية أو إدمان، والحديث عن مشكلاته الاجتماعية والسلوكية التي أدت به للوصول إلى هذه النهاية الأليمة، والعمل على معالجة تلك الاضطرابات وحل مشكلاته الاجتماعية».

هذا مقطع من مقالة للدكتورة فضيلة العوامي وهي متخصصة في الطب النفسي، وقد حصلت على الزمالة الأميركية في علاج الأدمان في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، عندما ذهبت مرافقة لولديها المستفيدين من برنامج الابتعاث العلمي.. لم يقف طلاقها بعد زواجها المبكر عائقاً أمامها، وإنما واجهته بدراسة الطب الصعبة، مما يعكس قوة شخصيتها وإرادتها وعصاميتها ثائرة غاضبة، عندما حاول أفراد بسطاء من مجتمعها، قيادته نحو ممارسة عنف غير مبرر ضد مجتمعها قبل الدولة، مع بداية أحداث الربيع العربي؛ هذه التي تسببت في انهيارات المجتمعات التي انطلقت منها، وقد استثمرت جماعات الإسلام السياسي فيها، تخلخل الأوضاع الاجتماعية البائسة في أوطانها، لتتصدر المشهد السياسي بكل انتهازية..!

فضيلة تابعت ما حدث في العوامية منذ بدايته؛ وقتذاك قمت وبعض الإخوة من «جماعة الديوانية» لمعالجة أوضاعها، مقترحاً أن يواجه العنف الاجتماعي، ببرامج التنمية النفسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، إذ وجدت أن أمراض الغيتو قد استشرت في نسيج المجتمع، لكي يتحرر منها يحتاج من الدولة والمجتمع معاً، على ضوء رؤية 2030 وبرامج التحول الوطني.. وتصريحات ولي العهد الأخيرة الإيجابية، حول المكون الشيعي، معالجتها بنيوياً بمواجهة الأسباب من إهمال، قبل محاكمة النتائج، واقتراح حلول ادماج وطنية، بدأت الدولة فيها، خاصة أن مجتمع العوامية قادر على الشراكة مع مؤسسات الدولة، بنخبته من المميزين - ذكراناً وإناثاً - في مجالات مختلفة، راحت تتكشف مؤخراً بعدما هدأت العاصفة، في حصول أبنائها وبناتها، على شهادات التفوق الطبي والاجتماعي والرياضي، برز بعضها في مشاركاتهم الوطنية داخل المملكة وخارجها بكل وطنية واقتدار.

فضيلة العوامي شاهد ماثل على دور تلك النخبة.. لم تكتف بالحصول على تخصصها العلمي في معالجة الإدمان من أميركا، ومتابعة ما يحدث في مجتمعها من آلام عن بعد!.. وإنما قررت كسر طوق عزلة الغيتو، لمواجهة الحقيقة المرة، متلمسة طريقها لمساعدة أبناء مجتمعها، ممن تورط في أعمال عنف ضد المجتمع والدولة، وقد بدأ برنامج الرعاية والتأهيل قبل خمس سنوات بمرحلتين، انتهت بتخريج عدد من المستفيدين، سعى البرنامج لتأهيلهم نفسياً وذهنياً ومعرفياً، بقصد تعديل سلوكهم الفردي، والعودة للمشاركة الإيجابية في المجتمع، ليكونوا أعضاء فاعلين فيه، كما يتم تأهيلهم - تقول فضيلة - على مهارات التواصل الاجتماعي، ومهارات كتابة سيرة ذاتية، والبحث عن عمل مناسب، حيث يسعى البرنامج إلى تفعيل الشراكات المجتمعية؛ بالتعاون مع المنشآت والمؤسسات الأهلية، والجمعيات الخيرية بالقطيف، ورجال الأعمال لمساعدة البرنامج في حل مشكلات الفقر والبطالة، لدى المستفيدين وإعالة أسرهم الفقيرة، حيث يعمل برنامج «بناء» على توفير عمل مناسب ليس للمستفيد فقط بل حتى لباقي أفراد أسرته.

من الرائع أن معظم المستفيدين من هذا البرنامج؛ قد أتيح لهم إكمال دراستهم الجامعية، وكذلك ممارسة هواياتهم.. فبعضهم يكتب الشعر ويدبج المقالات؛ وبعضهم برز في الإنشاد وتسجيل الأناشيد الوطنية.. والأروع أن بعضهم عرض على المشرفين على برنامج التأهيل، العمل معهم متطوعاً يقدم الخدمات في البرنامج الذي تخرج هو منه!

عندما خرجت مودعاً اللواء أحمد العيسى؛ وقد عبرت له عن شكري على الدعوة مع عدد من الأعيان والنشطاء الاجتماعيين والإعلاميين، بعضهم من القطيف وغالبيتهم من العوامية، وقد عشنا حالة خاصة واستثنائية عربياً في أداء رئاسة أمن الدولة بقيادة رئيسه الأستاذ عبدالعزيز الهويريني.. قلت له: اتمنى دعوتي مرة أخرى لأشهد حالات تخرج أخرى.. ابتسم مجيباً: سوف تشهد ذلك قريباً.