آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

القطاع الثالث المتوسط

محمد رضا نصر الله صحيفة الرياض

بعد عقود طويلة من إهمالنا القطاع الأهلي، صدر مرسوم ملكي بتاريخ 19 صفر 1437 موافقاً مجلس الوزراء، بإصدار «نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية». وقد شهدت مناقشته في ربيع الأول 1427 بمجلس الشورى، وأحسب أن العمل به الآن سوف يعزز من مسيرة الإصلاح الوطني، التي أصبحت متسارعة مع رؤية 2030، ما سوف يحدث التوازن المأمول بين المجتمع والدولة، وفق ما صممته المعايير الدولية، من وجود مجتمع قوي أمام دولة قوية، دون اختلال بينهما.

يعطي النظام الفرصة لعشرة أشخاص وأكثر، لإنشاء جمعية في مختلف المجالات، ويصدر الترخيص خلال ستين يوماً من بداية تاريخ تقديم الطلب، إلى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، فهذا النظام يشكل الأرضية القانونية لعمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والإسهام في تطويرها بوصفها غير حكومية، هدفها التوسط قطاعاً ثالثاً بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، في تبني برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية والبيئية والحقوقية وغيرها، وتأهيل المواطن لكي يقوم بدوره المسؤول - كما نصت رؤية 2030 -.

فحسب تعريف البنك الدولي في تقريره لعام 1998 فإن القطاع الثالث، هو المستقل عن الدولة.. ويضم أنواعاً مختلفة من المنظمات غير الحكومية، ويتسم بالعمل الإنساني والتعاون الأهلي، دون أن تكون لمؤسساته المدنية أي دور سياسي، وعلى الدولة توفير البنية التحتية لها، من دعم مادي، والمساعدة في صياغة اللوائح الداخلية لها.

وحيث إن هذا القطاع الأهلي، خاصة في شقه المهني، ينبثق من مجتمع الحقوق بتفرعاته المختلفة.. فإنني أرى أن يناط تطبيق نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية ب «هيئة حقوق الإنسان الحكومية» بعد تحويلها إلى وزارة أقترح أن يكون مسماها «وزارة حقوق الإنسان والمجتمع المدني» باعتبار أن حقوق الإنسان هي جوهر مطالب وفعاليات المجتمع المدني، وعلى هذه الوزارة المقترحة إصدار التراخيص لطالبيها، ومراقبة التزام مؤسسات المجتمع المدني وفق نظامها.

ولاقتراحي أكثر من مبرر:

أولاً: تشجيع أفراد المجتمع على الانخراط في هذا القطاع الثالث، الذي باضطراد دوره في دول العالم المتقدم، حمى طبقاته الوسطى من الذوبان، وصان الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي من الاهتزاز.

ثانياً: تزامناً مع رؤية 2030 التي تقود مجتمعنا اليوم إلى آفاق جديدة، في مجالات حياتنا الحديثة المختلفة، فإن أحداث علاقة تفاعلية خلاقة بين القطاع الثالث والقطاع الخاص، وهو يتسلم القطاعات الحكومية مديراً ومستثمراً فيها، يحتاج إلى مثل هذه الوزارة في تطبيق هذا النظام، وإطلاق العنان لمؤسسات المجتمع المدني، وهو مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة، لكي تتكاثر في المجال العام، وتدافع خاصة عن حقوق المنضوين إلى جمعياتها المهنية.

ثالثاً: إشاعة المفاهيم الحقوقية في المجتمع، وإعداد برامج تدريبية تؤهل المواطن بآليات المجتمع المدني ووعي حقوقه المهنية، حتى يكون قادراً على مشاركة الدولة، في تحمل استحقاقات التغير الاجتماعي، والتطورات الاقتصادية ومواجهة التحديات الوطنية.

رابعاً: اليوم مع اعتماد برنامج التخصيص للقطاعات الحكومية العشرة، فإن دور «وزارة حقوق الإنسان والمجتمع المدني المقترحة»، بالتشارك مع المركز الوطني للتخصيص، بات أمراً ضرورياً لضبط العلاقة بين طلاب العمل وأربابه، والمساعدة في التظلم لدى الجهات العدلية.

خامساً: إن إنشاء هذه الوزارة بهذا المسمى، سوف يعمل على تعديل الصورة النمطية المقلوبة عن المملكة، وهي تشهد حراكاً غير مسبوق في كل المجالات، وسوف يرسل رسالة إلى الخارج أن المملكة تتغير وتتجدد، وفق المعايير الدولية في حقوق العمل والعمال، ما يعزز من مكانتها في المجتمع الدولي ورأيه العام..

وبعد..

فإن قيام هذه الوزارة سوف يعمل على ضبط إيقاع العلاقة الثلاثي بين «الحكومة والقطاع الخاص والأهلي» نحو صياغة عقد اجتماعي جديد، يحدد الحقوق والواجبات في علاقة المواطن والدولة، مما سيكرس مبدأ المواطنة المسؤولة التي تنادت إليه رؤية 2030، ويعمل على إدارة التنوع القبلي والمناطقي والمذهبي، بتعميق هويتنا الوطنية وتماسك نسيجها الاجتماعي عبر الممارسة المدنية.