آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

الخسارة.. العزيمة

محمد أحمد التاروتي *

تشكل الخسارة عقدة مزمنة لدى البعض، مما يؤدي الى شل حركته البنيوية على الصعيد الذاتي، والاجتماعي، نتيجة اختلال التوازن الفكري، وصعوبة الخروج من صدمة الهزيمة، بحيث تظهر على شكل الاستسلام الطوعي للمشاريع الاخرى، باعتبارها المنقذ والمخلص، في ظل فشل مشروعه في المواجهة، الامر الذي يفسر الانزواء والانطواء الذي تمارسه بعض الاطراف، جراء الشعور بالرفض الاجتماعي، او الإحساس بالهزيمة في الترويج للبرامج الذاتية، او المشاريع الاجتماعية.

الشعور بالهزيمة حالة نفسية صعبة، يكابدها المهزوم منذ اللحظات الاولى، بيد ان الفارق يمكن في القدرة على تجاوز الحالة النفسية، والانطلاق نحو بعزيمة راسخة، والاستفادة من دروس الماضي لبناء المستقبل الزاهر، فهناك عناصر تتعامل مع الهزيمة كتحدي مصيري، وبمثابة الموت او الحياة، الامر الذي ينعكس على طريقة التعاطي مع الخسارة، بشكل مفرط وغير متوازن على الاطلاق، بحيث تؤدي الى حالة انعزالية تامة او شبه تامة، مما يعرقل جميع محاولات العلاج النفسي، والتأهيل للعودة مجددا، لممارسة الحياة الاجتماعية، والتفكير الجاد في اعادة المحاولة مرة اخرى، وفقا لتصورات مغايرة ناجمة من القراءة الدقيقة، لاتجاهات البيئة الاجتماعية.

بينما تتعامل بعض الفئات مع الهزيمة، او الفشل كنوع من التجارب الحياتية، ومحطة من محطات العمرية، خصوصا وان الفشل بمثابة جسر طبيعي، للعبور الى شواطيء النجاح، بمعنى اخر، فان الهزيمة لا تمثل نهاية العالم، بقدر ما تكشف الأسباب الحقيقة وراء الفشل، مما يستدعي التحرك الجاد، والمدروس لمعالجة الثغرات، الامر الذي يقود لوضع النقاط على الحروف، باتجاه بناء المستقبل المستند على معطيات ذات ابعاد اجتماعية، بعيدا عن التفكير غير الواقعي.

العزيمة تشكل بمثابة العصا السحرية، لإعادة التوازن للحالة الانعزالية، الناجمة عن الشعور بالرفض الاجتماعي، جراء عدم القبول لاستقبال المشاريع الاجتماعية، وعدم القدرة على احداث اختراق حقيقي، في البيئة الاجتماعية، ف ”الناس اعداء ما جهلوا“، لذا فان رفع الراية البيضاء، والانسحاب من حلبة المواجهة، يعطي الاطراف الاخرى، الفرصة للاستحواذ بالساحة دون منافس، مما يستدعي التحلي بالمسؤولية، وتفويت الفرصة على الاطراف المنافسة، لالتهام الكعكة بشكل كامل، وبالتالي فان امتلاك العزيمة يمهد الطريق للعودة مجددا، والخروج من الحالة النفسية الانهزامية، خصوصا وان المرء قادر على احداث تغييرات جوهرية، ومقاومة الضغوط الاجتماعية القاهرة، وذلك من خلال دراسة جميع الخيارات المتاحة، ورمي الماضي وراء الظهر، لاسيما وان التفكير في المرحلة الماضية بصورة سلبية، يعرقل جهود النهوض مرة اخرى، لمواجهة الواقع بشجاعة، فيما يمثل التفكير في الماضي بشكل إيجابي، عامل تحفيز لمواصلة المشوار حتى النهاية، فالفشل والنجاح امر طبيعي في مختلف الاعمال، مما يستدعي وضع اليات، وبرامج واضحة لتسخير الخسارة، باتجاه اثراء التجارب الحياتية، لتفادي تكرارها في المراحل اللاحقة، ”لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين“، ”العاقل من اتعظ بغيره“، ”في التجارب علم مستحدث“.

كاتب صحفي