آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الاصلاح.. الخصام

محمد أحمد التاروتي *

يمثل الاصلاح مطلبا محوريا، في مختلف التحركات الثقافية، باعتباره السبيل للارتقاء، ونفض غبار التخلف، والقضاء على الكثير من الملفات الشائكة، او المزمنة في المجتمع، وبالتالي فان شعار الاصلاح يمثل الراية، التي يلتف حولها الكثير من الشرائح، الساعية للانقلاب على الواقع البائس، خصوصا وان مثل هذه الشعار تمثل الحل الأمثل، للدخول في مرحلة جديدة، مغايرة للمراحل السابقة، مما يدفع الكثير لمساندة المشاريع الهادفة، لوضع القطار على السكة الصحيحة، من خلال تقديم الدعم المادي احيانا، والمعنوى احيانا اخرى.

عملية الاصلاح، تتطلب تقديم الكثير من التضحية، واحيانا تقديم بعض التنازلات، لاسيما وان عملية البناء تستدعي صعود السلم درجة بعد اخرى، نظرا لوجود عراقيل عديدة بعضها ذات ابعاد داخلية، والبعض الاخر مرتبطة بعوامل خارجية، مما يتطلب وضع تلك التحديات في الاعتبار، والتحرك لايجاد نوع من التوازن، فالوقوف امام تلك العراقيل بحاجة لنوع من البراغماتية، لمحاولة امتصاص المعارضة، او إيجاد نوع من التوافق المرحلي او الاستراتيجي، بيد ان التنازلات لا تعني تقديم فروض الطاعة، او الاستسلام بشكل كامل، فهناك مراحل زمنية تفرض انتهاج خيارات صعبة، جراء الأوضاع الاجتماعية، او الاقتصادية او السياسية.

التحرك باتجاه وضع النقاط على الحروف، في احداث تحولات جوهرية في بنية المجتمع، بحاجة الى خارطة طريق واضحة، واستراتيجية قادرة على رسم ملامح المراحل المستقبلية، لاسيما وان الفوضوية وغياب الرؤية، تخلق مشاكل ليست خافية، سواء على صعيد المسيرة المجتمعية، او ضياع المنهجية الواضحة الفردية، بمعنى ان الجهات الإصلاحية مطالبة، باتخاذ سياسات واضحة، بعيدة عن الغموض، من اجل ازالة الغشاوة من اعين الشرائح الاجتماعية، خصوصا وان الرايات الإصلاحية، تترك علامات استفهام، بشأن أهدافها وأغراضها، مما يستدعي انتهاج الشفافية التامة، والتعاطي بمسؤولية كاملة، من اجل رفع الرصيد الجماهيري، القادر على العبور نحو الاصلاح، باقل الخسائر، وقدرة على الصمود حتى النهاية.

الاصلاح يحدث في بعض الاحيان، انقساما داخليا، او اجتماعيا في احيان اخرى، فهناك بعض النخب الإصلاحية تتحرك باتجاهات متعددة، مما يولد شعورا وشكوكا في النوايا الحقيقية، وراء تلك المشاريع الإصلاحية، الامر الذي يمهد الطريق امام الخصام، والخلاف في الدائرة الضيقة، كمرحلة أولى، بيد ان الفشل في رأب الصدع، وانهيار جميع محاولات ترميم البيت الداخلي، سرعان ما ينتقل الى الخارج، والشرائح الاجتماعية، بحيث يتحول المشروع الاصلاحي الى ”نقمة“، جراء استخدام لغة التخوين، والتشكيك داخل البيت الواحد، وبالتالي فان انعدام القدرة على بناء مجتمع، اصلاحي متماسك يفضي الى العداء، والخصام الشديد، فهناك الكثير من المشاريع الإصلاحية التي ساهمت في احداث شروخ كبيرة، في جدار المجتمع الواحد، نظرا لغياب القيادة القادرة رسم ملامح واضحة، للمراحل القادمة، ورفض تقديم تنازلات في سبيل ارساء، حالة من الوفاق داخل البيت الداخلي، فضلا عن الامساك بمفاصل القرارات، واحتكارها ضمن دائرة ضيقة، مما ولد حالة من الاستياء، والتشكيك في النوايا الحقيقية، التي تحرك الصف الاول، من اصحاب المشاريع الإصلاحية.

كاتب صحفي