آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

الحوار لتجسير الهوة

ابراهيم الزاكي

لعل أحد الأهداف المرجوة من أي حوار هو التواصل والتعارف والتقارب الإيجابي من أجل تجسير الهوة بين المتحاورين، وتعزيز علاقات الود والمحبة والألفة بينهم. فالحوار يمثل قيمة أخلاقية في التعامل بين الناس. فمن خلاله تتقارب النفوس، وتتحرر من مشاعر الخوف والقلق والريبة تجاه الآخر.

والحوار ليس وسيلة لهزيمة الآخر، وفرض الأفكار والقناعات عليه بالقوة، وإنما هو صورة من صور التواصل والاتصال الإنساني، ووسيلة ملهمة لتبادل، وليس لفرض، الأفكار والرؤى والقناعات. بل هو أيضاً فرصة لإشاعة قيم التسامح والتصالح والتآخي، والوصول مع الآخر إلى حالة من الانسجام والتناغم والتكامل. وحين يقوم هذا الحوار على أساس مبدأ الاحترام المتبادل فسوف تكون العلاقة بين المتحاورين قوية ومتينة مهما حدث من اختلافات في وجهات النظر، فالاحترام يجعل المتحاورين موضوعيين في الحديث والنقاش من دون اسقاط وجهة نظر أحدهما على الآخر أو إجباره على تبنيها.

غير أن من يتابع ما يجري من حوارات ولقاءات يلاحظ أن ما نسميه حوار في بعض الأحيان ليس إلا تنافر وعداوة وخصام وتعصب وانفعال، وعدم توازن في الطرح والأسلوب، حيث ينقطع حبل الود والتواصل والاحترام بين المتحاورين، ويخرج الحوار عن موضوعيته، وتسوده حالة من التوتر والعداوة والخصام، ويظل كل طرف متمسكاً برأيه، ومتعصباً له، من دون إصغاء للرأي الآخر، بل ومطالباً إياه قبول رأيه وإتباعه، والخضوع له، والتسليم به، من دون نقاش. فرأيه الصواب المؤكد، والحق المطلق الذي لا يتجزأ ولا يقبل النقاش، فيما الرأي الآخر الخطأ المؤكد، والباطل المطلق. وإذا لم يتبنى هذا الآخر رأيه، تهجم عليه، وكال إليه التهم والسباب، ووصفه بالتحجر.

إن الاحترام المتبادل يعد قيمة عليا في كل حوار، إذ هو يجعل المحبة تستمر بين المتحاورين، وتجعل الروابط تقوى، ليس فقط بين المتقاربين في الأفكار، وإنما كذلك بين المختلفين حد التناقض. إلا أن انعدام لغة الاحترام بين المتحاورين، وسيادة لغة اللغو والجعجعة والصوت العالي والاستفراد بالرأي وعدم قبول الرأي الآخر، ومحاولة إخضاعه بالقوة، يُعد مؤشر على ضعف ثقافة الاحترام والتسامح عند المتحاورين. فحين يتمادى البعض في رفع صوته ويحتكر الكلام، ويدعي امتلاك حقيقة الأشياء، وبأن رأيه هو الصح والصواب فقط، ورأي الآخرين يمثل الخطأ المطلق، حينها ستحدث القطيعة، وتنتهي العلاقة بينهم، ولن يكون هناك ود ومحبة، أو تجسير للهوة.

وعندما يصل الحوار إلى الحائط المسدود، وترتفع الأصوات، ينجر المتحاورون إلى التلفظ بالكلام الجارح، والردود العنيفة، وكلٌ يصف محاوره بالتعابير المهينة، وتأخذ لغة الحوار منحناً شخصانياً، وتبتعد عن الحوار في الأفكار والرؤى، حينها يفقد الحوار هدفه المرتجى، واتجاهه الصحيح، لأن الهدف يتغير من الوصول للحقيقة إلى انتصار طرف على الآخر، ولا يمكن أن ينجح حوار تسيطر عليه لغة السب، فهذه اللغة تقود الى الفشل والخسارة، ويصبح الحوار من دون قيمة، أو مضمون حقيقي، ويخلو من المعاني الراقية، حيث لا يرجى من هكذا حوار الوصول إلى خلاصات أو نتائج يمكن الاستفادة منها والركون إليها، بل يتحول إلى لغو وثرثرة وجدل عقيم بلا أي قيمة، وبلا أي معنى.