آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 2:09 م

صوم الكلام

محمد سليس

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿فَكُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا.

ينصرف الذهن عند سماع لفظة الصوم إلى الصوم الفقهي إما وجوباً أو نداباً. وقدتجر هذه اللفظة إلى الوقت المعلوم بالصوم وهو شهر رمضان.، لكن! كما يعلم الكثير بأن هذه اللفظّة لها مدلول كلي وهو الإمساك كما ذكر ابن منظور في مادة ص وم: الامساك عن الطعام والشراب والنكاح والكلام. فيكون الإنسان صائم عن الشيئ إذا أمسك عنه وصبر عليه برغبةٍ منه لا مجبر. ويتحقق الصوم الشرعي إذا قصد به القربة لله عزّ وجلّ.

أقل الصوم هو أن يمتنع المسلم المكلف عن إتيان أحد المفطرات في نهار شهر رمضان، وبذلك يتحقق صومه من ناحية التكليف. ولكننا نجد النصوص التي تدفعنا إلى ما وراء الإمر العبادي إلى الإمر التعبدي كما جاء في تحف العقول عن الإمام الحسن العسكري : ليست العبادة بكثرة الصلاة والصيام، وإنما العبادة كثرة التفكر. وهذا القرآن الكريم يمتدح ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ هؤلاء الذين يجولون بفكرهم السماوات ويغوصون في أعماق البحار ويهيمون في أطراف الأرض وينفذون من أقطار السماوات ويسبحون بفضاء هو ذلك كله لله وأنا تحت نظره ويجللني برحمته يغمرني بعفوه ويشرح لي صدري. هذا يحدث إذا فرغ الإنسان ذهنه لله وباحث عن مصدر القوة الإلهية فالله سبحانه وتعالى قريب مني بل هو أقرب لي من حبل الوريد ويخاطبني ﴿ألم نشرح لك صدرك؟!

يتحقق إنشراح الصدر في حالة أن الإنسان يصمت عن الكلام كما أمر الله تعالى السيدة مريم في قضية قد تكون فاجعة لمجتمع لم يتوقع حدوث مثل هذه المعجزة بل يعتبرونها خطيئة صدرت من فتاة قديسة وطاهرة. فتسائلت كيف لي أن أقنع هذا الجمع من الناس. وفي الواقع هو ما يطرأ في بال أي أحد عندما يقع في محنة ”ماذا أقول للناس؟“ فيضيق صدره تبعاً لذلك.

قد يقول قائل: هل الصوم عن الكلام لوحده كافي؟ بالطبع لا! نجد الكثير من أحبتنا دخل حالة صمت يشعر بضغوطات نفسية ودوامة من التفكير.

في الحقيقة لإجل ينشرح الصدر لابد من الصوم عن الكلام وهو الشرط الإول. الشرط الثاني هو الهرب للكهف الحصين واللجوء لله كما نعتقد ونطمئن نحن المسلمين، أو البحث عن القوة الداخلية كما يظن غير المعتقدين بالله. وهذا ما أمر الله عزّ وجلّ نبيه زكريا ﴿قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَ اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَ سَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ فقد تحقق الشرط الاول وهو الصمت والشرط الثاني وهو اللجوء لله بحيث أمره بالتسبيح. ذكر الله باللسان بصوت مسموع يوجب الذكر بالقلب وهذا هو أساس العلاج السلوكي المعرفي.

العقل من شأنه التفكير فلا يكون في حالة سكون أبداِ إما يُفَكِر وإما يُفَكَر به لا توجد حالة ثالثة. فإذا لم تسيطر عليه أخذك يمين وشمال وجعلك تعيش الخوف أو الحسرة. إما أن يذهب للماضي فتعيش الندامة، فالندامة تكون في أمور الماضي. وإذا طاف بك العقل للمستقبل ففي ذلك الخوف. المستقبل مقرون بالخوف. هنا يأتي دور الصوم عن الكلام ليرتب الأفكار في عقل الإنسان خصوصاً عندما يقف على البساط السحري وهي سجادة الصلاة التي تصعد به إلى الملكوت الأعلى بالتحديد عندما يفتح الصحيفة السجادية التي فيها وصفة لكل مشكلة حتى عند سماع صوت الرعد. يقول ارماند ديمل: من الأفضل ان تعيش الوحدة وأن لا تكون وحيد لأنك قد تكون وحيد في وسط الناس. الوحدة تأمن لك هدوء النفس واستقرار العقل وإطمئنان الوجدان.

في كتاب الروح الطليقة يذكر مايكل سنجر قد يسمع الشخص حوارات في عقله لا يسمعها أحد غيره. حوار يدور من طرفين بين سائل ومجيب، في الواقع أنت ما تقول وأنت ما تسمع وإن سألت فأنت المجيب فما الفائدة من طرح السؤال إذاً إذا كنت تعلم الإجابة على هذا السؤال لابد أن تعلم أنها خاصية للعقل إذا بلغ حد من الضغوطات كما يحدث لإبريق الشاي عندما يغلي فإنه يصفر. فالنهاية قد يطول الحديث في عقلك وقد تتذمر كثيراً وفي الواقع لن يتغير شي، فمثلاً قد تتذمر من الطقس ولكن لن يحدث شيءفالعقل موجود للبحث عن الحلول ولمساعدتك وإذا أخطأت إستعماله يدمرك.

في الخاتمة الصوم عن الكلام سمة الأنبياء وقد عمل به الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله عندما كان يجاور في غار حراء في الشهر المعلوم. الصوم عن الكلام لا يعني الامساك عن الكلام مع الله سبحانه وتعالى إنما هو حفظ العقل عن المؤثرات الخارجية. هذا ما نصح به د. كلنت روجرر بعدما دخل في صمت لمدة عشرة أيام. عالج نفسك بالصوم عن الكلام.