آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

هل «الميركانتلية» مذهب الرئيس ترمب التجاري؟

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

تعاني الولايات المتحدة من عجز مزمن في ميزانها التجاري دام نحو أربعة عقود دونما انقطاع، وتجاوز 68 مليار دولار في نيسان «أبريل» 2018. وتقوم فكرة التجارة الدولية على أن الدولة لا تستطيع إنتاج كل ما تحتاج إليه من سلع وخدمات لتصبح مكتفية ذاتيا، وحتى إن تمكنت فبوسعها استيراد سلع من بلدان أخرى بتكلفة أقل.

لذا، فالدول إجمالا لا تستورد ”سبهللة“، بل لأسباب تتعلق بالقدرة أو بالكفاءة، وليس بوسع الولايات المتحدة الخروج عن نواميس التجارة الدولية. مرتكز التجارة الدولية هو تحقيق الربح، بمعنى أن الشركات تصدر إلى أسواق خارج دولتها الأم لتحقيق مزيد من المكاسب، وفي أحيان تتجه الشركات إلى الاستثمار والإنتاج في دول أجنبية لتحسين أرباحها. لكن حرص أي دولة إنتاج ما تتفوق به على الدول الأخرى، يعني حكما أنها تريد التصدير إلى الدول الأخرى. وليس في ذلك غضاضة، إلا إذا بدأت تلك الدولة وضع حدود وعوائق أمام الاستيراد من الدول الأخرى، إذ إن ذلك سيعني بداهة أن الدول الأخرى سترد بوضع حدود وعوائق وتقنينات، أي أن الدولة التي تنكفئ وتريد أن تصدر وأن تحد من واردات الدول الأخرى، ستجد نفسها محاطة من قبل الدول بأسوار من المعوقات التجارية. إذن، فالوسيلة العملية الوحيدة أمام طموح أي دولة لتحد من الواردات، أن ترتقي بإنتاجيتها لتكون هي الأفضل بين الدول، أو تحقيق ما يعرف اقتصاديا ب ”القيادة السعرية“ cost leadership. وبذلك، سيكون طبيعيا أن تصدر، ولن تجرؤ الدول أن ترسل إليها صادرات أعلى تكلفة أو أقل جودة أو كليهما، وذلك لانعدام الجدوى الاقتصادية لذلك. 

وبالقطع، فشركات في دولة ما  أي دولة  لن تمتلك ”القيادة السعرية“ في كل المنتجات، ولذا لا مفر لها من أن تتخصص، فهناك دول هي الأفضل في صناعة الطيران أو السيارات أو السياحة. وفي أحيان كثيرة يلعب ما تملكه الدولة من موارد بشرية أو طبيعية دورا جوهريا، كما هو الحال في الصناعات النفطية وصناعة البتروكيماويات السعودية. كما أن الدولة لن تتمكن من تحقيق ”فائض في ميزانها التجاري“ عبر تدخلات سياسية، بل لابد أن يتحقق ذلك من خلال تفوق في الإنتاجية، وإلا فإن العالم سيعود في ممارساته التجارية إلى القرن ال 16، ونظرية الميركانتلية Mercantilism، التي تقوم على استيراد أقل ما يمكن وتحقيق فائض تجاري عبر التدخلات السياسية، حتى إن كانت جبرية.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى