آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

رمضانيات ”21“

محمد أحمد التاروتي *

احياء النفس من الاعمال الجليلة، التي تحث عليها جميع الشرائع السماوية، فضلا عن انسجام هذا العمل مع مقتضيات العقل، خصوصا وان النفس البشرية تكتسب حرمة كبرى، لذا فان التعدي عليها جريمة تتجاوز الإطار الضيق والمحدود، لتشمل المحيط الاجتماعي الواسع، ﴿مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً، وبالتالي فان احياء الناس يمثل تحركا محمودا، باعتباره طريقا لفتح الطريق امام الانسان، لممارسة الأدوار المختلفة، سواء على الصعيد الأخروي، او الدنيوي.

عملية احياء النفوس تتجاوز الإطار المادي التقليدي المتعارف عليه، والشائع في الثقافة الاجتماعية، سواء من خلال تقديم المساعدة اللازمة، لإنقاذ البعض من الموت، او نتيجة استخدام النعم الدنيوية، في إنقاذ البشرية من حالة البؤس والفقر، مما يشكل حياة جديدة مغايرة للمعيشة السابقة، لذا فان مختلف المبادرات الساعية لتقديم العون، تعد من اشكال احياء النفوس، التي تحث عليها الشرائع السماوية، بمعنى اخر، فان التبرع بقطرة دم لإنقاذ حياة مريض، لا تقل أهمية عن المساهمة في عتق رقبة، فهذه الاعمال تدخل ضمن احياء النفوس، وبالتالي فان محاولة اخراج عمليات احياء النفوس، من الإطار التقليدي عنصر حيوي، للبحث عن منافذ جديدة، قادرة على توسيع القاعدة، بما يخدم الكيان البشري، ويقدم خدمات إنسانية جليلة، قادرة على انتشال النفوس، من مقابر الضغوط الاجتماعية، او ظلم الانسان لاخيه.

بالاضافة لذلك، فان احياء النفس على الإطار المعنوي، لا يقل أهمية عن المساهمة الجادة، في تجديد الحياة، لدى بعض الافراد في المجتمع، فالنفس القاسية تتحول الى سيف يقطع رقاب القريب والبعيد، الامر الذي يتطلب وضع برامج روحية، قادرة على خلق نوع من التوازن المادي والمعنوي، لاسيما وان سيطرة النفس الامارة بالسوء، تنشر الفساد في البيئة الاجتماعية، ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ? إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ? إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ، وبالتالي فان عملية احياء النفس معنويا، يمنع التعدي على الاخر، نظرا لوجود ضوابط شرعية، جراء خشية من الأقدام على ارتكاب المفاسد، مما يؤسس لمجتمع مسالم، ومتصالح مع الذات والاخر.

الادعية بما تمثله من علاقة مباشرة مع الخالق، تمثل احد البرامج المؤثرة في احياء النفوس والقلوب، ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ، فالمرء الذي يتضرع في جوف الليل، يتحول الى كائن مختلف، سواء على صعيد العلاقة مع الخالق، او مع الخلق، نظرا لوجود عامل مؤثر يحدد مسار العلاقات في المسيرة الحياتية، ”ما من شئ أكرم على الله تعالى من الدعاء“، ”الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والارض“، بمعنى اخر، فان الدعاء سلاح متاح، على الدوام امام الانسان، لاحياء النفوس من شوائب السيئات، التي يكتسبها في المرء المسيرة الدنيوية، مما يستدعي إعطاء الادعية أهمية بالغة، ”عليك بالدعاء، فإن فيه شفاء من كل داء“.

شهر رمضان فرصة الهية لاحياء النفوس بالدعاء، فهناك الكثير من الادعية المستحبة خلال الشهر الفضيل، "وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ، وَتِلاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ".

كاتب صحفي