آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

رمضانيات ”23“

محمد أحمد التاروتي *

العلاقات الاجتماعية، مظهر من مظاهر الطبيعية البشرية، فالمرء لا يستطيع العيش بعيدا عن الاخر، نظرا لتشابك المصالح الدنيوية، وصعوبة استغناء الفرد عن نظيره، لذا فان محاولات قطع اواصر العلاقات الاجتماعية، ظاهرة مرضية وسلبية في الوقت نفسه، لاسيما وان الحياة المشتركة تفرض على الجميع، مد جسور العلاقات، ومحاولة توطيدها بمختلف الأشكال، فمهما بلغت المكانة الاجتماعية لدى البعض، فان الانعزال عن المحيط الاجتماعي عملية مستحيلة.

التحرك باتجاه تجديد العلاقات الاجتماعية، والحرص على ابقاء حبائل الود قائمة، والابتعاد عن اثارة الخلافات، التي تقود للقطيعة، من اهم الامور التي تضاف الى رصيد المرء في المحيط الاجتماعي، مما يجعله محور اهتمام البعيد قبل القريب، خصوصا وان الانسان الواعي يتحرك ضمن إطار واضح المعالم، لإزالة كافة العراقيل التي تعترض طريق، توطيد شبكة العلاقات الاجتماعية، لإدراكه بحاجة البشر الى بعضهم البعض، فهناك الكثير من تفاصيل الحياة، تتطلب التعاضد والتعاون المشترك لإنجازها، فالانسان مهما بلغت قدرته على انجاز الكثير من الاعمال، يبقى قاصرا عن الإحاطة بجميع الامور، ”اتخذ الف صديق والف قليل ولا تأخذ عدوا واحدا والواحد كثير“

تعزيز العلاقات الاجتماعية، يسهم في اتساع دائرة الافاق الحياتية، والفكرية، خصوصا وان العلاقات الاجتماعية ليست محصورة، في المصالح الدنيوية او المآرب الشخصية، وإنما تتجاوز تلك الاهداف الضيقة، لتصل الى اكتساب المعارف الحياتية والثقافية، بحيث تتبلور على شكل سلوكيات في إطار التعامل مع الاخر، بمعنى اخر، فان شبكة العلاقات الاجتماعية تكشف الطبيعية الفكرية للمرء، الامر الذي يفسر حرص البعض على توطيد العلاقات الاجتماعية، مع الدوائر المعرفية، والابتعاد قدر الإمكان عن أنصاف العقول او الحمقى، ”زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جُثواً على الركب، فإنّ الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة“، ”إياك ومصاحبة الأحمق: فإنه لا يشير عليك بخير، ولا يرجه لصرف السوء عنك ولو جهد نفسه، وربما أراد نفعك فضرّك، فموته خير من حياته، وسكوته خير من نطقه، وبُعده خير من قربه“.

النظرة الواعية للامور، والبحث الدائم عن إيجاد الوسائل المناسبة، للسيطرة عليها، من العناصر الاساسية، في تشكيلة المنظومة الفكرية للإنسان، وبالتالي فان اثارة المشاكل مرتبط في بعض الاحيان، بطريقة بناء الشبكة الاجتماعية، خصوصا وان الاختيار المناسب لدائرة العلاقات، عنصر حيوي في قطع الطريق، امام الدخول في مواطن الشبهة، واسكات الالسن، فالعلاقات الاجتماعية لا تجلب المشاكل، كما يتصور البعض، بقدر ما تسهم في تبيض الصورة الضبابية لدى الاخر، لاسيما وان المعرفة القريبة تزيل الريبة، وتكشف المعادن الحقيقية للبشر، فيما يكون الغموض والشك قائما، مع وجود حواجز مادية، او معنوية، تحول دون الالتقاء بشكل مباشر.

العلاقات الاجتماعية، بما تحمل من مسؤولية على الجميع، بحاجة الى قدر كبير من الإدراك بضرورة تعزيزها، وعدم التحرك وفق قاعدة تحقيق المصالح الذاتية، لاسيما وان الإطار الاخلاقي قادر على إذابة الخلافات، واعادة رسم شبكة العلاقات، ضمن المصالح المشتركة، بعيدا عن منطق الغالب والمغلوب، الذي ينسف العلاقات الاجتماعية، في الكثير من الاحيان.

كاتب صحفي