آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

التغافل عن أخطاء الآخرين

ابراهيم الزاكي

الاحترام المتبادل أمر أخلاقي في العملية الحوارية، وإلا فإن الفشل سيكون مآلها. فكما تريد أن يقدرك الآخرون ويحترمون رأيك، فإن عليك أن تبادلهم بنفس السلوك، وتتعامل معهم بتقدير واحترام. فلكلِّ فرد شخصيته الثقافية المكوَنَّة من الأفكار والرؤى والمبادئ والتطلعات التي يؤمن بها، وهو الأمر الذي يعني بأن الاختلاف في وجهات النظر أمر واقعي ومن طبيعة البشر، ومن حقّ كلّ فرد أن تكون له اجتهاداته وآراؤه وقناعاته الخاصة.

إلا أن مشكلة البعض أنه يريد من الآخرين احترامه وتقديره، وإبراز أهميته ودوره، فيما هو ينظر إليهم بتعالٍ واحتقار، ويقلل من قيمتهم وشأنهم، وربما يتطاول عليهم بما لا يليق. غير أن هذا السلوك لن يزيد من احترام الآخرين له، أو يدفعهم إلى رفع قيمته ومكانته، بل على العكس من ذلك، سيؤدي به هذا السلوك إلى تشويه صورته أمام الآخرين، والنفور منه، وعدم التعامل معه.

بيد أن أفضل السبل إلى إنجاح العملية الحوارية يتحقق من خلال تقدير من نتحاور معه، وإبراز أهميته، واحترام شخصه، وأفكاره، ووجهة نظره، مهما اختلفت الأفكار وتباينت التوجهات، ومهما علا، أو قل، مستوى ووعي، أو مكانة، من نلتقيه ونتحاور معه، وبعيداً عن أي أسلوب فيه إيحاء بالازدراء والتهكم أو قلة الاحترام. ففي الحوار علينا ان ننظر إلى الآخر على أنه مثلنا في الإنسانية، ومن حقه، ليس فقط التعبير عن رأيه وقناعاته، بل من حقه علينا حفظ حقوقه وكرامته الإنسانية.

غير أن هذا المتعالي ربما يحسب بأنك ساذج، أو لا تفهم، حين تتغافل عن تجاوزاته، وقلة احترامه لك، فيما أنت في الحقيقة تتظاهر بعدم سماع تعابيره الجارحة، وتتغافل عن سوء تصرفاته المحرجة، ليس ضعفاً، ولكن ترفعاً عن الوقوع في الأخطاء، وارتكاب المخالفات، وإدراكاً للعواقب السلبية التي تنتجها حالة التصادم، ومنعاً لشيوع ثقافة العنف اللفظي كأسلوب في حل المشكلات والخلافات، أو الاختلافات.

والحقيقة أن هناك من يتحمل أخطاء الآخرين بتغافله، ولا يقف لهم بالمرصاد ويتصيد أخطائهم، ولا يتخذ أسلوب المواجهة العنيفة في التحاور معهم، ليس فقط منعاً لشيوع ثقافة العنف اللفظي، وإنما أيضاً سعياً في نشر أجواء التسامح والتآخي. فمشاعر الحقد والكراهية التي تنتجها الحوارات الصاخبة قد تكون منشأ للكثير من العلل، والتي تجد لها أرضاً خصبة لتنمو وتنتشر في مثل هكذا أجواء تصادمية. لكن حين تسود قيمة التسامح، وتنشتر مشاعر المحبة، فإن الأرضية لن تكون مناسبة لنمو حالات التعصب والتطرف التي تعزز مشاعر الحقد والكراهية.

وعلاوة على ذلك هناك من لا يرغب في النزول إلى مستوى تلك اللغة الهابطة والتصادمية، ويفضل الانسحاب من المواجهات الحادة، حرصاً منه على علاقات اجتماعية أو إنسانية ما تربطه بالآخرين، ولا يرغب في القطيعة معهم، أو التزاماً بقيم معينة يلتزم بها، مع أنه باستطاعة الرد والتعامل معهم بالمثل، إلا أن احترامه لنفسه يمنعه من رد الإساءة بالمثل، مع ما لحقه من أذى، كونه يحرص دائماً على ضبط أقواله وأفعاله بضوابط أخلاقية كي لا يظلم أو يقسو على أحد.

إن التغافل عن أخطاء الآخرين والصبر على أداهم لا يعني الرضا بالأخطاء والظلم والحيف ممن نتحاور معهم. كما لا يعني أن الإنسان المتغافل هو إنسان ضعيف غير قادر على الرد، بقدر ما يشير إلى مقدار السجايا الأخلاقية التي يتصف بها. فالبناء الإنساني والاجتماعي يتطلب الحلم والعفو والصفح، وتعزيز حالة التسامح، وعدم إلغاء أحد، وحفظ مكانته الإنسانية، كون ذلك من أفضل السبل التي تعزز وحدة المجتمعات وترابط أفرادها، كما أنه دليل على متانة علاقاتهم الاجتماعية.

خلاصة القول إن كل من يلتزم بآداب الحوار وأخلاقياته لا يسف في القول ولا يظلم أحد بعبارة، ولا يبحث عن مثالب الآخرين وعيوبهم مهما لحق به من أذى وإساءة، فهو إذ يُقيِّم الأمور بحيادية بعيداً عن المجاملة، ومن باب الإنصاف، إلا أنه أيضاً يمارس دوره النقدي بموضوعية عندما تفرض عليه الصراحة والصدق أن يفعل ذلك لتقويم الأخطاء أو الانحرافات التي يرى فيها خروجاً على الآداب والقيم.