آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الاستفزاز والفجور في الخصومة

المهندس أمير الصالح *

وردتني في عام 2015 م قصة حقيقية وقعت في احد المدن الخليجية، مفادها بان امرأة بلغت السلطات في بلدها بان زوجها عضو في حركة ISIL. وعلى ضوء ذاك البلاغ تحركت السلطات ب القبض على الزوج المتهم وبعد التحقيق معه تبين بانه تزوج زوجة ثانية على زوجته الاولى صاحبة البلاغ. وان البلاغ هو فجور في الخصومة.

في عام 1998م، وردتنا احداث خصومة مفتعلة من بعض موظفي شركة مواطنين ضد موظفين من ابناء وطنهم في اثناء انتدابهم لمشروع عمل هندسي في احد الدول الاجنبية، وقد هالني حجم الفجور في الخصومة والادوات الرخيصة التي استعانوا بها ذاك الفريق المحرض ضد ابناء وطنهم في محضر الاجانب. وكان من اثار تلكم السلوكيات، ضياع حقوق مواطنين وهدر طاقات وطنية واستفراد بالفرص لـ المحرضين.

مطلع عام الالفين ميلادي، بكلمة من زوج البنت ممازحا زوجته، وقعت تلكم الكلمة على مسامع ام الزوجة ك القنبلة. اخذت ام الزوجة ترعد وتزبد وتنقل الكلمة على مسامع المحيط الجغرافي دونما تفحص او رادع من تبعات الامور واطلقت التهديدات والوعيد بالثبور والحبور، وهي تقول ”اذا كان ناوي يتزوج على بنتي، لأجعلن ايامه سود ولاسعينا لفقره وسلب السعادة من عينه“. وتقادمت الايام والكلمة تدور في المجالس في ذات المجتمع والزوج الودود احس بطعم الغدر من ام زوجته لسوء فهمها وانكشاف سريرتها وسقوط الاقنعة من وجهها والفجور في العداوة الصادر منها والتمادي في الاهانة بعد طول العشرة وحسن مودة وترادف هدايا واطعمة وموائد منه لام زوجته. غادر الزوج الى جهة غير معلومة منذ اكثر من ثمانية عشر عاما ولم يعرف له خبرا حتى الساعة وذات القصة والتهديدات مازالت تتناقل في المجالس بين الفينة والفينة حتى ان البعض من كبار السن زاد وقال ”يقال بان الزوج انتحر ولعن الله ام الزوجة لفحش فجورها في الخصومة“.

قد تردنا احصائيات عن طريق الاعلام عن ضحايا مرض الملاريا او فيروس الانفلونزا او عدد ضحايا سرطان البروتستاتا للرجال وسرطان الثدي لدى النساء والسكتة القلبية للانسان عامة، ولكن لانسمع ولم نسمع بإحصائية لعدد ضحايا الفجور في الخصومة او البلاغات الكيدية في التأليب على الناس.

في عالم متسارع متعقد العلاقات والمصالح، تزاد نسبة نصب الفخاخ للوقيعة بين اي جهة ضد جهة اخرى او اتباع اي مدرسة فكرية ضد مدرسة اخرى بطرق شتى منها الاستفزازات في النقاش او التزوير في الحقائق او بالسعي بطمس وجهة النظر الاخرى بكل اطيافها سواء الديني او العلمي او المهني او المناطقي او العرقي او الاعلامي... الخ.

قد نستغرب في ملاحظة ان الكثير من الهياط او الاستفزاز او سوء السريرة او البلاغات الكيدية ادت الى نهايات مأساوية لضحايا وتعميق الانقسامات البينية بين ابناء الوطن او المجتمع الواحد. والعاقل الواعي يعي من ملامسته للواقع بشكل موضوعي او قراءة التاريخ بعين المتفحص ان عليه ان يبحر بفنيات وتقنيات سلوكية متعددة لكي يتجنب انفجار الألغام النفسية المتعددة لبعض المحيطين به من زملاء المهنة المتعصبين او مدعي الثقافة احادي النقل في مركبه.

جميع العقلاء يدركون تعدد وجهات النظر وتعدد التحليلات والإسقاطات لذات الحدث الواحد ولكن هناك صنوف من البشر تؤمن بطريقة my way or highway. وعذه الصنوف البشرية قد تكون واقعة تحت تأثير نشوة النفوذ او الثراء او الكثرة في العدد او السيطرة المطلقة في موقع جغرافي ما او التضليل المتعمد او فرض الرأي الواحد. مع الاسف البعض منا يواجه هكذا صنوف في ظروف يكون فيها النقاش غير مجد لاسباب عدة ومنها حفظ النفس او النأي بالنفس من الصدامات او لتوجس الحذر من تبعات التفاعل.

وهنا نهمس في اذن ذاك الصنف او هذا ممن يفرض رأيه على الاخرين ولا يتورع في استخدام كل ادوات الفجور في الخصومة من الشطب والتهميش والالغاء والاقصاء والكذب وقول الزُّور والاتهام والامتهان والتلفيق للتهم واطلاق التهديد والوعيد، بان الايام دوارة فلا تغرنهم الايام وان طالت.