آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

رمضانيات ”27“

محمد أحمد التاروتي *

الأمراض الاجتماعية عنصر أساسي، في انهيار التماسك الداخلي، في الكيان الواحد، خصوصا وان انتشار الحسد والكراهية، وغيرها من الأمراض النفسية، تحدث شقاقا في البيئة الاجتماعية، مما يترك شروخا كبيرة في النفوس يصعب ترميمها، الامر الذي يستدعي التحرك الجاد لتطويق تلك الأمراض، في مهدها قبل استفحالها وانتشارها، فالتغاضي عن معالجة تلك الأمراض، يساعد على تضخيمها، وبالتالي القدرة للسيطرة عليها، لاسيما وان استوطان تلك الأمراض، يولد الكثير من المشاكل من قبيل الخصام، او ارتفاع معدلات الجريمة، وتفشي السرقات، وغيرها من الجرائم المختلفة.

السيطرة على الأمراض الاجتماعية، تستدعي إيجاد برنامج اخلاقي متكامل، فالعملية ليست سهلة على الاطلاق، لاسيما وان النوازع الشريرة، تتغلب في احيان على الخصال الحميدة، الامر الذي يتطلب التركيز على الاخلاق الفاضلة، وتحجيم الاعمال السيئة، فهناك الكثير من الخطوات التي تساعد على نمو بذرة الخير في النفس البشرية، بيد ان العملية تتطلب التدرج، وعدم التسرع في حصد النتائج، من خلال وضع اللبنات الصالحة الواحدة تلو الاخرى، بمعنى اخر، فان القضاء على الأمراض الاجتماعية، عملية معقدة ومتشابكة، نظرا لوجود الصراع الداخلي في النفس البشرية، بين العمل الصالح والعمل الطالح، فسيطرة احدهما على الاخر مرتبط بعوامل متعددة، بعضها مرتبط التربية الصالحة، والبعض الاخر ناتج عن الأصدقاء، والبعض الثالث مرتبط بالبيئة الاجتماعية، والثقافة السائدة.

تهذيب السلوك الاخلاقي للفرد في المجتمع، عامل أساسي في نشر الفضيلة، والقضاء على السلوكيات المرضية، بمعنى اخر، فان رسم الطريق الصحيح امام الفرد، في التعاطي مع الاخر في مختلف التعاملات، يساعد على معالجة الأمراض الاجتماعية، خصوصا وان السلوكيات الفردية تمهد الطريق، امام انتشار الثقافة الايجابية، والقضاء على الاخلاق السيئة، الامر الذي يفسر التركيز على تهذيب الاخلاق لدى الفرد في المجتمع، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ? وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ? أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ? وَاتَّقُوا اللَّهَ ? إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ.

الوصول الى المجتمع الملائكي، ضرب من الخيال، وعملية مستحيلة، وغير واردة على الاطلاق، فالأمراض الاجتماعية ستبقى قائمة، في مختلف المجتمعات البشرية، خصوصا في ظل تضارب المصالح، ومحاولة البعض السيطرة على سواء بالقوة او الاحتيال، او غير من الأساليب الملتوية، بيد ان محاولة انتشال الانسان من ظلمه نفسه، ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَ?كِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، وكذلك العمل على تنمية الخلق الفاضلة، ومحاربة الجانب المظلم في النفس البشرية، امر ايجابي وتحرك محمود، لاسيما وان الاثار المترتبة على قمع الأمراض الاجتماعية، لا تقتصر على الفرد الواحد، بل تشمل جميع الجوانب الحياتية، فالقضاء على تلك الأمراض، يسهم في اختفاء الكثير من الاعمال الشريرة، مما يساعد على إشاعة السلام، واختفاء الاحقاد، وعمليات الانتقام، وبالتالي فان الاستسلام لمبدأ صعوبة القضاء على الأمراض الاجتماعية، يحول البيئة الاجتماعية لفوضى، وانتشار قانون الغاب واستخدام القوة للسيطرة على الاخر، مما يعني تعطيل العقل بالكامل.

كاتب صحفي